تلعب تركيا دورا مشبوها لدعم إثيوبيا في ملف سد النهضة، بهدف الانتقام من مصر، ومحاولة تعطيشها وضرب اقتصادها، فثورة ٣٠ يونيو أحبطت مخطط الرئيس التركى رجب طيب أردوغان في التدخل في شئون مصر الداخلية واستعادة وهم الخلافة العثمانية عبر جماعة الإخوان الإرهابية، التى كانت قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ مخطط أخونة الدولة المصرية.
الرئيس التركى وضع يده في يد أبى أحمد على رئيس وزراء إثيوبيا لحرمان مصر
من حقها التاريخى في مياه النيل إذ أعلن دعم أنقرة لمشروع بناء سد النهضة،
ويمد الحكومة الإثيوبية بالمعدات والأموال اللازمة لضمان نجاح المشروع،
لتقليص حصة مصر من مياه النيل البالغة نحو ٥٦ مليار متر مكعب، ويترتب على
ذلك تراجع المساحات الزراعية في بنسبة ٢٥٪، ما يعنى ازدياد معدلات البطالة.
إن
محاولة بناء سد لتعطيش مصر وضرب اقتصادها ليست المرة الأولى من نوعها
فمشروع سد النهضة يعود إلى مخطط قديم رسمه دالبو كيرك منذ خمسمائة عام، وهو
أحد أشهر السياسيين البرتغاليين كان مولعا بالكشف البحري، ورسم مخططه حول
إزالة تحويل مجرى نهر النيل ليحرم مصر من أراضيها الخصبة فيتم إهلاكها
وإخضاعها، ففى ذلك الوقت كانت الحرب مستعرة بين المماليك حكام مصر في تلك
الفترة وبين قوة البرتغال الناشئة، كتب دالبو إلى ملك البرتغال يطلب منه
صناع مهرة ليقوموا بفتح ثغرة بين سلسلة التلال الصغيرة التى تجرى عند النيل
إثيوبيا حاليا ولكنه توفى عام ١٥١٥، فتوقف المشروع حتى وضع رئيس وزراء
إثيوبيا السابق ملس زيناوى حجر الأساس عام ٢٠١١ ودخلت تركيا على خط الأزمة
مستغلة رغبة أديس أبابا في استعادة دورها كلاعب أفريقي وتجاوز محنتها
الداخلية.
المساعدات الإنسانية ومغازلة «أمهرة».. سلاح أردوغان للسيطرة على قرار آبى أحمد
استخدم
الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، قواه الناعمة وسلاح المساعدات الإنسانية
لاختراق إثيوبيا، حتى يجعل لنفسه موضع قدم في المنطقة وأن يكون له مخلب قط
لمناكفة مصر وتكون أداة ضغط على القاهرة.
لعب أردوغان في مخطط غزوه
الناعم لإثيوبيا على وتر العلاقات التاريخية بين الدولة العثمانية وبلاد
الحبشة، واتصالات السلطان عبدالحميد الثانى مع الإمبراطور الإثيوبى منليك
منذ عام ١٨٩٦، وجرى افتتاح أول قنصلية تركية في مدينة هرر عام ١٩١٢،
وأعقبها افتتاح السفارة في العام ١٩٢٦ بعد ٣ سنوات من إعلان قيام
الجمهورية. حرص أردوغان على تطوير العديد من المناطق الإثيوبية المرتبطة
بالتاريخ الإسلامى مثل منطقة نجاش وإعادة ترميم مسجد النجاشى التاريخى في
إقليم تجراى شمالى إثيوبيا، ومشروع ترميم القنصلية العثمانية في مدينة هرر
شرقًا. إلا أنه حافظ على ظهور أقل نسبيا في الدولة المسيحية ذات الأغلبية
الأرثوذكسية، مما يعكس برجماتية إذ تجاهل ملايين المسلمين، من جماعة
أورومو، ودعم السلطة (أقلية أمهرة)، مما دفع المسلمين لمهاجمة الاستثمارات
التركية في إثيوبيا، ولاسيما بعد افتتاح مراكز ثقافية لتعليم اللغة التركية
في العديد من المدن الإثيوبية، وتأسيس المدارس الدينية لنشر أفكار الحزب
الحاكم بين الإثيوبيين. كما تمكنت تركيا عبر منظمة التعاون والتنسيق
التركية تيكا من التدخل في الشئون الإثيوبية منذ افتتاح مكتبها في أديس
أبابا عام ٢٠٠٥، وركزت أنشطتها على الترويج للتعليم التركى باعتباره أكثر
أدوات الاختراق الثقافى فاعلية من خلال المنح والبعثات التعليمية إلى
الجامعات التركية.
كما تعمل تيكا على تقديم المساعدات الطبية للمستشفيات في إثيوبيا ولاسيما مستشفيات الأطفال لخلق جيل يدين بالولاء لتركيا.
تحرص
تيكا على افتتاح المشروعات التى تخاطب الأطفال إذ أنشأت مؤخرا حديقة ألعاب
في إحدى مدارس العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وجددت بعض مرافقها، بزعم
تشجيع التلاميذ على الذهاب إلى المدرسة وتحقيق نتائج جيدة.
ولا يخفى على
أحد الدور المخابراتى الذى تلعبه وكالة الأناضول حيث تعد كلمة السر في
التحركات التركية في العاصمة الإثيوبية، عندما جرى تأسيس مكتبها لتغطية شرق
أفريقيا في أديس أبابا العام ٢٠١٤، عبر الصحفى الإريترى الإسلامى محمد طه
توكل، بإيعاز من الاستخبارات القطرية التى عاش فيها لخمس سنوات، وكان على
علاقة بشرطتها حتى غادر إلى إثيوبيا. تشير التسريبات إلى أن الاستخبارات
التركية تتخذ من مقر وكالة الأناضول مكتبا لعقد لقاءاتها ونشاطاتها، حيث تم
رصد زيارات متكررة لمسئولين أتراك إلى مقر الوكالة، من بينهم الدبلوماسى
التركى أحمد يلدز.
زراعة 1.2 مليون فدان و6 مليارات دولار وراء تعثر المفاوضات الأخيرة
«قطريليكس»: دور أنقرة والدوحة سبب رئيسى في رفض أديس أبابا التوقيع على المقترح الأمريكى
لا
يمر يوم إلا وتثبت تركيا للقاصى والدانى مدى حرصها على الإضرار بمصالح مصر
ويظهر ذلك جليا في أزمة سد النهضة، فأدلة تورط أنقرة ثابتة لا تقبل
التشكيك.
أردوغان وضع خطة ذات محاور متعددة لنيل أطماعه، فهو يرى أن
السيطرة على إثيوبيا تضمن لها دورا محوريا في المنطقة، حيث تتحكم في منابع
النيل الأزرق الذى يشكل ما بين ٨٠٪ و٨٥٪ من إجمالى مياه نهر النيل، ما يجعل
جميع دول حوض النيل البالغة ١١ دولة مرهونة بموقف أديس أبابا من بناء
السدود المائية وهو ما ظهر جليا في أزمة سد النهضة.
وبحسب موقع المعارضة
القطرية قطريليكس، يعد الدور التركى القطرى المشبوه السبب الرئيسى في تعثر
مفاوضات سد النهضة في الولايات المتحدة الأمريكية ورفضها للتوقيع، إذ إن
وفدا أمنيا قطريا - تركيا سافر إلى أديس أبابا وحمل رسالة مفادها أن
الموافقة على المفاوضات المصرية الإثيوبية في الولايات المتحدة ستكون لها
خسائر كبيرة لن يستطيع النظام الإثيوبى تحملها.
أخبرهم الوفد أن سحب
الودائع القطرية والتركية التى تبلغ ٦ مليارات دولار سيعطل بناء السد من
الأساس، ويؤخر خطة التنمية الإثيوبية في ظل أزمات عالمية متلاحقة.
وأكد
الوفد للسلطات الإثيوبية أنهم لن يجدوا في دول العالم من يقبل بضخ مليارات
الدولارات وخاصة بعد نجاح المفاوض المصرى في إثبات تعنت إثيوبيا في مفاوضات
سد النهضة.
يشار إلى أن تركيا ضمن قائمة الدول الممولة لسد النهضة من
خلال مشروع استثمارى زراعى ضخم، لزراعة مليون ومائتى ألف فدان في منطقة
السد، ومع انطلاق المفاوضات برعاية أمريكية سارع الرئيس التركى رجب طيب
أردوغان للتحرك في هذا الملف بهدف تفجيره بالتعنت.
تبلغ استثمارات تركيا
في أفريقيا ٦ مليارات دولار، نصيب إثيوبيا وحدها منها أكثر ٢.٥ مليار
دولار، وتتطلع أنقرة إلى زيادتها لتصل إلى ١٠ مليارات دولار بنسبة زيادة
تبلغ ٣٠٠٪ احتلت بها تركيا المركز الثانى بين الدول الأجنبية الأكثر
استثمارا في إثيوبيا.
كما يوجد في إثيوبيا حاليا أكثر من ٣٥٠ شركة
تركية، دخلت منها ١٢٠ شركة في ٢٠١٤، ويعمل بها أكثر من نصف مليون إثيوبي،
وتتركز الواردات التركية لإثيوبيا في الملابس والأحذية والحديد والمنتجات
البلاستيكية والأدوية، بينما الصادرات الإثيوبية تركزت في الحبوب واللحوم
والفواكه والخضراوات والنسيج، حتى إن وزير الاقتصاد التركى اعتبرها قبل
أشهر أكبر دولة مستثمرة في إثيوبيا.
يشارك المستثمرون الأتراك في
إثيوبيا في الغزل والنسيج، وكذلك في قطاعات البناء والتشييد، كما يعمل
البلدان معا في قطاع الطاقة مع شركة تركية تعمل في مجال تركيب خطوط نقل
الكهرباء وتوريد المحولات.
تركيا وقعت مع إثيوبيا اتفاقية تعاون لتوليد
الطاقة الكهربائية من سد النهضة، وإيصالها إلى دول الجوار في يناير ٢٠١٥،
باعتبار تركيا دولة منبع، ولها خبرة واسعة في إنشاء السدود واستثمارها، وفى
مجالات الطاقة الكهرومائية، وتصدير المياه، وذلك يؤكد سعى النظام التركى
لإلحاق الضرر بمصر عبر تنفيذ السد.
كما كثفت تركيا من نشاطها الاقتصادى
في إثيوبيا بتوقيع اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم لتعزيز التعاون الاقتصادي،
تشمل الاتفاقيات قطاعى المعادن والهيدروكربونات.
تمثل إثيوبيا بالنسبة
إلى تركيا سوقا اقتصادية واعدة بفضل مواردها المتعددة، ويحرص أردوغان على
اختراقها بإشراكها في العديد من الاتفاقيات التى تخدم مصالح أنقرة أولا،
خاصة فيما يتعلق بمجالات الجمارك والتجارة والطاقة.
وفى مؤشر على مدى
التداخل الاقتصادى والتجارى بين البلدين، قال وزير الدولة للخارجية إن
تركيا هى الشريك الاقتصادى الرئيس لبلاده، مشيرا إلى وجود العديد من الفرص
الاستثمارية مع أنقرة، يأتى ذلك رغم أن تركيا تعد المستفيد الأكبر من هذا
التقارب وليس إثيوبيا، بعدما أصبحت رابع أكبر الشركاء الاقتصاديين لأنقرة
كما يقول السفير التركي، مشيرا إلى ارتفاع حجم الاستثمارات الصناعية لبلاده
في أديس أبابا إلى نحو ٣ مليارات دولار.
استنساخ اتفاقية الرمح الثلاثى للدفاع عن السد
حجر واحد وعصافير متعددة، هذا ما يفعله النظام التركى بالتقارب والتعاون العسكرى مع إثيوبيا، إذ يرتبط بعدة أهداف أولها تقويض دور مصر، والتضييق عليها مائيا، لفرض أجندات تركية وإثيوبية سياسية واقتصادية على غرار التعاون الإسرائيلي-الإثيوبي، والسيطرة على منطقة القرن الأفريقي لما تتمتع به من أهمية كبيرة، جعلتها محط أنظار القوى الدولية والإقليمية، لتحقيق أهداف إستراتيجية عدة من بينها التحكم في خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن.
المتبع للسياسة التركية يلمس حرصها الشديد في السنوات العشر الأخيرة على التقارب مع دول الرباعى إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتى، وارتكز أردوغان في تحركاته نحوها على أسانيد كاذبة، حيث يدعى أن الأتراك أحق بحكم التاريخ والجغرافيا والعلاقات الدينية والثقافية بعلاقات أمتن مع أفريقيا من قوى دولية صاعدة وفاعلة في القارة مثل الهند والصين وإيران. أخذت السياسة الخارجية التركية في الاهتمام بأفريقيا منذ عام ٢٠٠٩ ويعد أحد الشواهد على ذلك وصول عدد السفارات التركية في أفريقيا إلى ٤١ سفارة بعد أن كانت ١٣ سفارة قبل هذا التاريخ، بالإضافة إلى محاولات إنشاء القواعد العسكرية على الساحل الأفريقي حتى يصبح لها مخلب قط في المنطقة لتنفيذ مخططاتها. الجيش الإثيوبى لا يغيب أبدا عن نظر أردوغان الذى عقد معه العديد من اتفاقيات التعاون المشترك لاستخدامه كأداة للتوغل في العسكرية الإثيوبية بدلا من اللجوء إلى إنشاء القواعد، ووقعت أنقرة اتفاقية دفاع مشترك مع أديس أبابا في مايو ٢٠١٣، وأقرها البرلمان الإثيوبى في مارس ٢٠١٥.
وتنص على تدعيم التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وتقديم تركيا دعما فنيا ولوجستيا لزيادة قدرات إثيوبيا العسكرية، ونقل التكنولوجيا الدفاعية، وتحديث الموجودات العسكرية لإثيوبيا، وإقامة تعاون متبادل بين شركات الصناعات الدفاعية، بأن تحصل تركيا على الدعم الفنى والعسكرى واللوجستى من إثيوبيا مقابل إمدادها بالتكنولوجيا الدفاعية. وجاء في إعلان البيان الختامى لاتفاقية الدفاع المشترك: «تركيا تنقل خبرتها في بناء السدود وتساعد في الدفاع عن السد ضدّ أى تهديد» مما يؤكد أن مصر هى المقصودة من هذه الاتفاقية، نظرا لبعد المسافة بين البلدين مما يؤكد أننا أمام مشروع تركى إثيوبى لإضعاف الدور المصري.
تعهدت تركيا في إطار تعاونها العسكرى مع إثيوبيا بحماية إنشاءات السد بواسطة أجهزة رادارات تركية تستخدم للإنذار المبكر ومد إثيوبيا بنظام صواريخ تركية - إسرائيلية مشتركة الصنع. المؤكد في هذا الأمر أن تركيا تحاول استنساخ ما سمى باتفاقية الرمح الثلاثي، التى وقعتها إسرائيل مع إثيوبيا في عام ١٩٥٦، وكان الهدف منها أيضا هو السيطرة على المياه الإقليمية وفرض نفوذ في منطقة الشرق والقرن الأفريقي من جهة، وإفساد أى توجه مصرى لأفريقيا من جهة أخرى، وهو ما نفس ما تحاول أن تفعله تركيا.