الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

واحة الخميس.. مبارك فصل من التاريخ (3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفنا فى المقال السابق عند حسنى مبارك الذى لم يكن قد بلغ السادسة بعد، والذى كان يسترق السمع والنظر إلى المطرب محمد عبدالوهاب وذلك من خلال فتحات السرادق الذى أقامه الزعيم الوفدى الكبير عبدالعزيز باشا فهمى فى بلدته كفر المصيلحة، ونتيجة الزحام وتدافع الأطفال وقع جزء من السرادق، وفر الأطفال خوفًا ولكن حسنى فوجئ بأنه قد أصبح أمام الباشا، فلما رآه الأب «السيد مبارك» الذى كان حاضرًا للحفل مع باقى رجال القرية هم بضربه، فمنعه عن ذلك عبدالعزيز فهمى، ودعا الطفل للوقوف أمامه، وسأله: ما اسمك؟.. قال: حسنى مبارك، فسأله فهمى: هل دخلت المدرسة؟.. فأجاب الأب عنه قائلًا: إنه لم يزل صغيرًا، ولم يبلغ السن بعد، ولكنه يذهب إلى الكُتّاب، فسأله فهمى: هل تحفظ شيئًا من كتاب الله، فردد أمامه سورة الناس، فكان سؤال الباشا الأخير: فيما تفكر أن تكون عندما تكبر، وكان الجواب: ضابط بالجيش المصرى، فابتسم عبدالعزيز باشا فهمى وراح يتحدث عن الجيش المصرى وكيف أن الملك فؤاد قد أرسل ابنه «فاروق» إلى إنجلترا ليدرس العسكرية وإن ضابطًا مصريًا عظيمًا اسمه عزيز المصرى هو المرافق لولى العهد فى سفريته تلك ليكون أستاذًا ومربيًا له ومشرفًا عليه، وتحدث عبدالعزيز فهمى طويلًا عن عزيز المصرى ومدى حب أفراد الجيش له رغم صرامته، ثم أخرج الباشا من جيبه «ريالًا» من الفضة وأهداه لحسنى، الذى عاد إلى بيته فرحًا، وبدأ يحكى لإخوته ولأمه السيدة «نعيمة أحمد إبراهيم الدكر» ما دار بينه وبين الباشا فى حضور والده، وتمتمت الأم بكلمات تردد صداها فيما بعد بين أهالى القرية إذ قالت: «حسنى دا مرزق من يومه» ولم يكن الحديث عن الريـال الذى وهبه له الباشا فقط ولكن عن علامات كثيرة، منها نقل الأب من محكمة طنطا إلى محكمة شبين الكوم الجديدة، وحصوله على ترقية ليصبح باشمحضر المحكمة، وفى صباح اليوم التالى لحادثة ريـال الباشا كان أهالى القرية يتحدثون عن ذلك الطفل الذى كان واقفًا فى حضرة عبدالعزيز فهمى ولم يهتز ولم يخف، واشتهر اسم «حسنى مبارك» بين أهالى القرية وخافت الأم عليه من الحسد فطلبت من أبيه أن يصطحبه إلى ضريح سيدى الشيخ مبارك وهو الضريح المشهور بزاوية البحر فى محافظة البحيرة، والذى يؤمه الكثير من الناس للتبرك به، ويقال إن عائلة مبارك تنتسب إليه، ولمن لا يعرف فإن عائلة مبارك هى عائلة كبيرة من عائلات الريف المصرى ولكن تتفاوت أحوال أعضائها اقتصاديًا واجتماعيًا، وترجع أصولها إلى مركز كوم حمادة ولكن معظمهم فى أوائل القرن التاسع عشر انتقلوا إلى قرية كفر المصيلحة، تلك القرية التى تميزت بالتعليم، فنسبة الأمية كانت معدومة للغاية، وربما يرجع السبب فى ذلك إلى عبدالعزيز باشا فهمى الذى كان يدفع أهالى القرية لإرسال أبنائهم إلى المدارس، وهكذا دخل حسنى المدرسة فى شبين الكوم بعدما نال قسطًا من التعليم الدينى فى كتاب القرية، وعلى حسب شهادات زملائه فى المدرسة فقد كان «حسنى» تلميذًا جادًا.. ذكيًا وملتزمًا ولم يكن من الأشقياء أو المشاغبين، وطوال مراحل الدراسة الابتدائية والبكالوريا ثم الثانوية كان حلم العسكرية لا يفارق «حسنى مبارك» الذى كان متابعًا للمتغيرات السياسية التى تحدث فى مصر طوال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى، وفى أحد اللقاءات التليفزيونية تحدث مبارك حين كان رئيسًا للجمهورية عن الصدى الذى حدث بعد واقعة 4 فبراير 1942 عندما حاصرت الدبابات الإنجليزية قصر عابدين وأرغمت الملك فاروق على استدعاء مصطفى النحاس لتشكيل حكومة جديدة أو أن يتنازل عن العرش، وقال مبارك إن هذا الحادث أثر فى نفس كل مصرى وأظهر كيف أن الاحتلال هو من يدير العملية السياسية فى مصر وأن الملك لا حول له ولا قوة، ووقتها تساءل الجميع: أما آن لمصر أن تستقل، ولكن كيف، ومن القادر على تحقيق هذا الحلم.. هل الشعب الذى حاول أن يفعل ذلك فى 1919 لكنه فشل، أم الجيش الذى لم يزل يعتمد على عناصر أجنبية بداخله والذى بدأ مؤخرًا فى إلحاق أبناء الفلاحين به نظرًا لعزوف أبناء الطبقات العليا عنه.. وبات حلم حسنى مبارك فى الالتحاق بالجيش المصرى يتبلور بعد حصوله على الشهادة الثانوية.. وللحديث بقية.