الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليبيا.. هل هناك توافق دولى لابتزاز المنطقة؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى تطور لافت وجديد للأزمة الليبية، يؤكد سعى غالبية الأطراف الدولية لتأجيج الصراع واستمرار حالة الفوضى عبر المزيد من التمكين لميليشيات حكومة فائز السراج الإرهابية؛ نقلت بوابة أفريقيا عن مصادر ليبية تحركات تركية للتحايل على عملية الاتحاد الأوروبى لمراقبة البحر المتوسط بهدف منع تهريب الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا، عبر الاستعانة بأحد المطارات العسكرية الإيطالية.
وذكرت المصادر على سبيل التحديد أن طائرة حربية تابعة للبحرية التركية طراز (أي.تي.أر 72) وصلت إلى مطار مصراتة الجمعة الماضية، قادمة من قاعدة «سيغونيلا» العسكرية الإيطالية، التى وصلت إليها فى وقت سابق بعد إقلاعها من مطار دالامان جنوب تركيا.
وأوضحت المصادر بحسب بوابة أفريقيا، أن ما يميز هذه الطائرة أنها مجهزة بنظام الراديو الحديث ومعدات اتصالات للطاقم، مخصصة لمرافقة البضائع والأفراد، والقدرة على رصد السفن الأوروبية ومعرفة مسارات تحركها، للاستفادة من ذلك فى تهريب الأسلحة والمرتزقة.
هذه الطائرة تقدم دليلًا جديدًا على استمرار تورط روما فى دعم الميليشيات والجماعات الإرهابية فى ليبيا من خلال القاعدة العسكرية التى سبق ودشنتها فى مدينة مصراتة تحت غطاء المستشفى الجوى الميدانى؛ وذلك رغم التصريحات المتكررة لرئيس الوزراء جوزيبى ديكونتى عن دعمه لمسارات التسوية السلمية للأزمة، ومشاركة بلاده فى عملية الاتحاد الأوروبى لمنع تدفق الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا والمزمع بدءها نهاية الشهر الجارى.
هذا التنسيق التركى الإيطالى العسكرى عالى المستوى يشير من ناحية إلى مساعى روما لتقويض جهود الاتحاد الأوروبى لتطبيق القرارات الأممية بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا ومنع تركيا من نقل المزيد من الإرهابيين والمرتزقة؛ حيث تستعد أنقرة طبقًا لتقارير المرصد السورى لحقوق الإنسان لنقل نحو ألفى مرتزق سورى وعناصر تنتمى لهيئة تحرير الشام يتم تدريبهم حاليًا داخل معسكرات تركية.
كذلك يشير من ناحية أخرى، إلى مساع دولية لفرض ما يسمى بتيار الإسلام السياسى على المعادلة الليبية ليكون شريكًا فى صناعة مستقبل البلاد.
ولا يمكن قراءة هذا التنسيق الإيطالى مع تركيا باعتباره تناقضًا صارخًا بين سياسات وسلوك روما، والاتحاد الأوروبى فى مجمله تمامًا كما لا يمكن تصور حدوثه بعيدًا عن التوجهات والتصورات الأمريكية لإدارة الصراع على الأراضى الليبية؛ ذلك أن المجتمع الغربى يصر على توصيف الأزمة باعتبارها صراعا سياسيا بين طرفين سياسيين يسعى كل منهما لفرض السيطرة على طرابلس كونها العاصمة ويرفض بشكل قاطع النظر إليها من منظور الذى يجمع عليه غالبية الليبيين، والذى يؤكد أن الأزمة أمنية صرفة أوجدها انتشار الجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية عقب سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافى.
وقد يرى هذا المجتمع الغربى فى السماح بتمرير المزيد من الدعم التركى لعصابات السراج ما يعمل على إطالة وتعقيد الأزمة على المستوى العسكرى والميدانى بما يسمح له فرض وجهة نظره بشأن الطبيعة السياسية للصراع فتصبح حكومة السراج أو بالأحرى جماعة الإخوان الإرهابية التى تسيطر على مفاصل الحكومة طرفًا رئيسيًا على طاولة المفاوضات؛ وقد بدأت بالفعل عملية تسويق لهذه الحكومة باعتبارها شريكا لبعض الدول فى عملية مكافحة الإرهاب وتفكيك الميليشيات المسلحة، وقد تولت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الدور بالإعلان المتكرر لسفيرها فى طرابلس ريتشارد نورلاند التنسيق مع فتحى باش أغا وزير داخلية الوفاق فى محاربة الإرهاب وتفكيك الميليشيات المسلحة بعد تصريحات الأخير التى هاجم فيها ميليشيا النواصى، وهو الموقف الذى ما لبث وتراجع عنه بعد تهديد زعيم ميليشيا النواصى باستهداف المرتزقة السوريين.
الاتحاد الأوروبى ورغم استعداده لبدء عملية مراقبة البحر المتوسط، إلا أنه قد يجد نفسه مضطرًا لاتخاذ تركيا بعض التدابير للتنسيق مع إيطاليا لنقل العناصر الإرهابية المرتزقة إلى ليبيا، وذلك لمساعدتها فى التخلص من غالبية عناصر هيئة تحرير الشام المتواجدين فى شمال محافظة إدلب السورية والتى اضطر الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى الاتفاق الأخير الموقع مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى الموافقة على ضرورة فصل عناصر هيئة تحرير الشام عما تسمى بالمعارضة السورية المعتدلة بل والعمل على محاربتهم؛ ولأن تلك العناصر كانت فى الأساس صناعة تركية خالصة من الصعب على راعيها أردوغان التخلص منها بمحاربتها وتصفيتها لأنها ومع إطلاق أول رصاصة من الجيش التركى صوبها ستنقل عملياتها الإرهابية إلى الداخل التركى ما يعمل على تفاقم الأزمات الداخلية التى يعانيها أردوغان ونظامه.
ليبيا أصبحت السبيل الوحيد أمام أردوغان للإيفاء بتعهداته لبوتين بعد أن تلقى درسًا قاسيًا فى سوريا على يد قوات الجيش العربى السورى وطائرات السوخوى الروسية؛ وأوروبا لا تريد اشتعال الحرب مجددًا فى إدلب وتسعى لإلزام أردوغان بالحفاظ على اتفاقه المسبق معها بمنع تدفق اللاجئين إلى حدودها.
وقد يكون التغاضى عن تسيير المزيد من الطائرات المحملة بالمرتزقة والأسلحة من القواعد العسكرية التركية إلى ليبيا عبر التنسيق مع إيطاليا أحد أدوات الاتحاد الأوروبى فى التفاوض مع أردوغان الذى تبجح وكشف سوءته بإجبار اللاجئين السوريين والأفارقة والأفغان على التوجه للحدود اليونانية باستخدام القوة والعنف.
صحيح أن دولة مثل فرنسا تبدى دعمها للمشير خليفة حفتر فى مكافحة الإرهاب وضرورة تحرير العاصمة طرابلس من سطوة الميليشيات، وأن دولة مثل ألمانيا تسعى للظهور بمظهر محايد إزاء ما تعتبره طرفين للصراع فى ليبيا، إلا أنهما كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة قد يرون أن ما يسمى بالإسلام السياسى وفى القلب منه جماعة الإخوان الإرهابية ورقة لم يحن بعد وقت التخلص منها، بل إنها ربما تكون الورقة الرابحة فى لعبة الضغط على الدول الكبرى فى منطقة الشرق الأوسط وفى مقدمتها مصر والمملكة العربية السعودية؛ وهو ما يعنى ضرورة وجود مكان تنشط فيه الجماعة وربما تحكم أو على الأقل تتقاسم شئون الحكم فيه وجميعهم يرون أن ليبيا البلد المناسب لاستمرار بقاء هذه الجماعة لذلك تبدو رغبة تلك الدول متوافقة مع المسعى التركى فى توطيد أركان الجماعة الإرهابية داخل طرابلس لكن بصيغ أقل حدة ووضوح.
هذا الموقف الدولى الساعى لتمكين الجماعات الإرهابية فى طرابلس عكسه بوضوح موقف المبعوث الأممى إلى ليبيا المستقيل غسان سلامة الذى عمل من خلال مسارات جنيف الثلاثة التفاوضية على فرض عناصر جماعة الإخوان الإرهابية فى المعادلة السياسية والاقتصادية والعسكرية، بل إنه تجاهل ترشيحات مجلس النواب الليبى لمسار جنيف السياسى واختار أعضاء مقاطعين للمجلس من المحسوبين على التنظيم الإرهابى، كما جعل لهم الغلبة فى الشخصيات المستقلة التى اختارها للحوار وكان أبرزهم الإرهابى فتحى باش أغا أحد جنرالات عملية فجر ليبيا التى شهدت تدمير المطار الدولى وأصر على عقد مفاوضات المسار السياسى رغم مقاطعة مجلس النواب الشرعى له.
إضافة إلى ذلك لم يوجه سلامة اتهامًا صريحًا لتركيا بنقل المرتزقة والأسلحة إلى ليبيا حتى بعد مؤتمر برلين الذى قال عقب صدور بيانه الختامى: (الآن لدى وثيقة يمكن من خلالها محاسبة أردوغان).
وواصل أردوغان انتهاك جميع القرارات الأممية علاوة على بيان برلين وأرسل آلاف المرتزقة والأسلحة إلى ليبيا تحت سمع وبصر غسان سلامة دون أن ينطق بكلمة إدانه واحدة وعلى العكس من ذلك راح يدين استهداف الجيش الوطنى الليبى لمخازن الأسلحة التركية فى ميناء طرابلس.
استقالة غسان سلامة جاءت مواتية للأطراف الفاعلة فى المجتمع الدولى وصاحبة التأثير على الأمم المتحدة ليس غضبًا من سلوكه المنحاز لميليشيات طرابلس وعصابات مصراتة الموالية لتنظيم الإخوان تحت غطاء دعم حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا ولكن لأن سلامة بات وجهًا غير مقبول لدى غالبية الليبيين الذين يمثلهم مجلس النواب الشرعى والجيش الوطنى الليبى، وهو ما عكسه اجتماع قبائل ليبيا فى مدينة ترهونة جنوب العاصمة لذلك بات من الضرورى استبدال سلامة، بسلامة جديد إن جاز التعبير أى مبعوث آخر يقوم بنفس الدور ولكن بوجه واسم مختلف.
وتتصدر الأمريكية ستيفانى ويليامز نائبة غسان سلامة قائمة أبرز المرشحين لخلافته فى منصب المبعوث الأممى إلى ليبيا، وتعكس ويليامز سياسات وتوجهات بلدها، خاصة أنها كانت شريك سلامة فى رسم خارطة الطريق المشوهة لمسارات جنيف الثلاثة، وفيما يذكر عن سيرتها الذاتية أنها عملت كمستشار لشئون الشرق الأوسط لدى الإدارة الأمريكية فى سوريا والكل يعرف الدور الأمريكى فى دعم جماعات الإرهاب داخل سوريا وسيطرتها على منابع النفط شرق الفرات وإعلان دونالد ترامب الصريح أنه لا يريد من سوريا سوى آبارها وحقولها النفطية، ومؤخرًا أرسل مسئولين عسكريين سرًا ليتسللوا إلى داخل إدلب لدعم تركيا والتنظيمات الإرهابية المتحالفة معها ضد الشعب السورى.
مجمل القول الغرب يريد ليبيا ساحة لانتشار ونشاط الجماعات والتنظيمات الإرهابية الإسلامية وفرض جماعة الإخوان كأمر واقع فى أى تسوية سياسية لتبقى طرابلس مصدرًا للصداع والضغط والتهديد والابتزاز للدول العربية من المحيط إلى الخليج، وليس بعيدًا عن ذلك ما يجرى فى إثيوبيا والسودان وموقفهما من أزمة سد النهضة.