في حديث مهم أمام مؤتمر دولى، قال الصديق والعالم في الزراعة والأمن الغذائي والمائي الدكتور أشرف عمران، «على مصر أن تدخل مرحلة جديدة كليًا في الزراعة، لإنشاء دلتا جديدة في الصعيد، وخصوصًا في الأقصر وأسوان، مطالبًا بسرعة التنفيذ في هذا استنادا إلى ما أسفرت عنه البحوث العلمية حول التغييرات المناخية وتأثيرها على خريطة المجمعات الزراعية الجديدة».
ما قاله الدكتور عمران، بحاجة إلى رؤية تنفيذية وعلمية للأخذ به وبحث كل ما يتعلق بالمفاهيم الزراعية في مصر، خصوصًا ما قاله بشأن ما انتهت إليه الأبحاث من أن درجة الحرارة ستزيد خلال الـ50 إلى 100 سنة المقبلة بنحو 5 درجات مئوية، وهذا يتطلب خريطة زراعية جديدة.
كلمات الدكتور أشرف عمران، والذى خاض العديد من التجارب الزراعية الصناعية المتكاملة في بلدان عربية، تحمل في معانيها أن مصر أمامها فرصة كبيرة لتصبح ضمن الخريطة الزراعية لمناطق «اجرو بيزنس» أى «المنشآت الزراعية الصناعية»، والتى يركز العالم عليها من الآن، وفقًا للأبحاث العلمية بين خط عرض ٢٣ شمال وجنوب خط الاستواء، وتقع في مصر بكل من الأقصر وأسوان.
ومن هنا قال دكتور عمران، «هناك من وعيّ وأدرك ذلك مبكرًا، حيث بدأت دول الاستثمار في الأراضى التى تقع ضمن منطقة الـ«أجرو بيزنس»، خصوصًا في إريتريا، وغرب وشرق السودان، والصومال ودول أخرى عديدة، بينما تبقى لدينا الفرص قائمة للبدء في الدخول في منظومة خريطة المشروعات الزراعية الصناعية الجديدة.
قد يرى البعض فيما يقوله الدكتور عمران مبالغة، ويأخذه البعض على محمل القلق، ولكن المؤكد أن التوظيف الأمثل لنتائج البحث العلمى تضعنا في المكان الصحيح، وترسم الطريق إلى منهج علمى إنتاجى جديد لنواجه التحديات التى تفرضها المتغييرات المتعاقبة في قضايا الزراعة والمياه، وما سيترتب على مشروع سد النهضة، سواء توصلنا إلى اتفاق مع الجانب الإثيوبى أم لا، فالمؤكد أن هناك تأثيرًا ما سيحدث من هذا السد، ومواجهة ما سيترتب عليه، أمر تفرضه المصلحة المستقبلية لمصر والأجيال القادمة.
ولاشك أن الدخول في مثل هذه المشروعات يتطلب رؤية جديدة ومفهومًا متجددًا في الاستثمار يقوم به متخصصون في مجالاتهم، وليس استثمارًا عشوائيًا، لأن مثل هذه النوعية من الاستثمار ليس عينها على المستهلك المحلى فقط، بل تمتد إلى أبعد من ذلك وتنظر في اتجاه السوق العالمية وتعظيم الموارد واقتحام أسواق بأنماط استهلاك مختلفة، وليس مجرد الزراعة فقط، بل هو دورة إنتاجية متكاملة تبدأ من البحث والتطوير، والتدريب والتأهيل للعنصر البشر، ومن ثم اختيار موقع الاستثمار ونوعية المحاصيل، وأنظمة الرى وطرق الزراعة.
وتمتد أيضًا إلى التنوع في المحاصيل في المنطقة الواحدة، وبعدها، تأتى أولويات المحاصيل، والتى تحقق إنتاجًا وعائدًا سريعًا، والمحاصيل متوسطة وبعيدة المدى في الإنتاج، ومن ثم المساحات الكبيرة للزراعة، وكيفية تنمية الزراعة في مناطق مختلفة مثل الصعيد وغيرها وفق معيار الزراعة على مساحات غير مفتتة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا بل يصل إلى نقطة أخرى تضاف إلى الزراعة والتنوع النباتي، وهى ما يتعلق بنقاط التجميع والفرز والتعبئة ووحدات للتصنيع واستخلاص الزيوت بخلاف صناعات دوائية تقوم على بعض المحاصيل والنباتات والزيوت، والمنتجات الطبيعية «أورجانك».
الخلاصة، من الواضح أننا بحاجة إلى رؤية استثمارية جديدة نقف على كل متطلباتها، وأسس نجاحها لاستقطاب رءوس الأموال، بخلاف أن الوضع يتطلب أيضًا منظومة تشريعية تواكب التطورات في العالم وتسبق في التفكير أسواقًا تنافسية تتصارع على رءوس الأموال من الآن خصوصًا في قطاع زراعى لا يتوقف عند إنتاج المحاصيل فقط، بل يمتد إلى أوسع من ذلك بكثير، ويحقق منظومة إنتاجية متكاملة.
ولم يعد الأمر متوقفًا عند حدود الإنتاج الزراعى فقط بل هناك صناعات عديدة تتطلب رؤية شاملة، سواء من حيث التشريعات، وطبيعة التسهيلات، خصوصًا ما يتعلق بصناعة المكملات الغذائية، ومنتجات «أومجيا 3» وتوابعها، والصناعات الدوائية الدقيقة، والتى بحاجة إلى منتجات طبيعية، «أورجانيك»، بخلاف الصناعات التى تقوم على الطحالب، وغيرها.. فالمؤكد أن العالم يتغير، ويجب أن نكون في القلب منه، فعصر الفلاح صاحب المساحات الصغيرة لم يعد له وجود في التوسعات الزراعية الجديدة، ولكن من الممكن أن يكون جزءًا منها بمفهوم المشاركة بالأسهم... ويبقى أن السؤال.. هل نعى ذلك؟.. لنخرج من دائرة الاحتكار العالمى الذى يحاصرنا.. أم سنظل بعيدًا ويسبقنا الآخرون؟!