الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العقل المتطرف.. محاولة للفهم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كان ثمة اختلاف بين النّاس فإن الاختلاف الأهم والأبرز بين المتطرفين وغيرهم في العقل؛ ونقصد بالعقل طريقة التفكير ونمطه، والذي يحكم بطبيعة الحال سلوكه فيراه الناس سلوكًا متطرفًا، فالعقل هو المسؤول عن ممارسة الإرهاب.
مناط التفكير دائمًا ينطبع على سلوك البشر ويتم ترجمته في السلوك، وسلوك البشر هو مجرد انعكاس لطريقة تفكيرهم، وقديمًا قالوا: إذا وجدت تفجيرًا في مكان ما أبحث عن التكفير، فدائمًا ما يسبق التكفير التفجير، ودائمًا ما يكون هذا التكفير مبدأه العقل الانحيازي.
فانحيازات المتطرف الفقهية أحد العلامات المميزة لمنهجه وطريقة تفكيره، ودائمًا ما يميل عقل المتطرف إلى المنهج التأويلي، وهنا ينحرف هذا العقل في تفكيره إلى تأويل كل شيء في الدين حسب هواه وعاداته وبيئته، فيخرج الدين من مضمونه الحقيقي، ولذلك نطلق عليه متطرف.
محط الإرهاب الحقيقي دائمًا يكون في العقل، ومن يوهمك أن الإرهاب رد فعل على سلوكيات إنما يُريد أن يبرر السلوك الإرهابي، لسبب بسيط ألا وهو منهج المتطرف الفكري، هذا المنهج يُحركه إلى ممارسة الإرهاب وليست الممارسة السياسية ولا الاستبداد بنفس المفهوم الذي تُعبر عنه التنظيمات الإسلامية.
ولذلك دائمًا التوصيات بمواجهة الإرهاب لابد أن يكون بابها الحقيقي العقل، ومنه تكون المواجهة الفكرية، وبدونها لا نستطيع أن نواجه الإرهاب طالما لم نواجه التطرف، الذي يبدأ في شكل وطريقة التفكير.
قد تكون طريقتنا في مواجهة التطرف أو معالجته تطرفًا هو الأخر، وقد يكون سببًا في وجود هذه الظاهرة التي حلّت ومازالت على مجتمعاتنا، وقد يكون استغلال التنظيمات المتطرفة سياسيًا نوعًا أخر من التطرف، ولذلك مواجهة التطرف بالمفهوم الشامل لابد أن يكون حاضرًا لدى السلطة لخطره على الأمن الإنساني قبل القومي للدولة.
لابد أن تحتوي استراتيجية مواجهة الإرهاب والتطرف على العقل، فدور الدولة دائمًا في ترشيد العقل وتهذيب السلوك عبر محطات كثيرة قد يكون للفن دور فيها وللثقافة دور أخر، وقد يكون للتعليم دورُ ثالث، ثم يأتي دور المؤسسة الأمنية في نهاية المطاف لمواجهة خطر الإرهاب، وهنا أقصد الإرهاب وليس التطرف فهو دور المؤسسات الأخرى، فهذا النوع من المواجهة يستلزم الفكر والعقل معًا، وإن كنّا نرى دورًا للمواجهة العسكرية، وهنا نقصد المعلومات التي تحصل أو تتحصل عليها أجهزة الأمن والتي تبدو ضرورية وهامة في المواجهة الفكرية أيضًا.
ما نريد أن نقوله إن المواجهة الأهم لعقول هؤلاء المتطرفين، لابد أن تُقام مراكز الدراسات والبحوث التي تقرأ طريقة تفكير هؤلاء المتطرفين، وأن ترصد التغيرات الفكرية التي تطرأ على كل حركة أو تنظيم متطرف سواء محلي أو عابر للحدود والقارات؛ لابد أن تكون هذه المراكز العلمية على اتصال بصانع القرار، لأهمية الدور الذي تلعبه من ناحية وخطورة ما تتوصل إليه من نتائج من ناحية أخرى؛ فقد تنجح هذه المراكز في توقع سلوك هذه التنظيمات إزاء قضايا كثيرة من واقع فهمها لطبيعة هذه التنظيمات ووجود قيادات بعينها على رأس هذه التنظيمات، وهذه طريقة علمية لا يمكن التوصل إليها إلا بهذه الطريقة لا بدونها.
حتى لا نخرج عن مضمون الفكرة التي نطرحها في المقال، فإننا يمكن اختصار عقل المتطرف في المتهم الرئيسي والأساسي في الإرهاب، وأن العالم فشل في مواجهة عقول هؤلاء المتطرفين أو وقف عاجزًا على مواجهتها على الأقل، أو ربما نقول إن خيال هؤلاء المتطرفين بطريقة تفكيرهم باتت أكثر تأثيرًا من الذين يوجهونهم.
وهنا نلفت نظر كل المهتمين بمواجهة الإرهاب والتطرف بضرورة قرأه عقل المتطرف قبل أي مواجهة، ومع أي مواجهة وبعد أي مواجهة أيضًا، بل لابد من قراءة عقل المتطرف دائمًا إذا كنا عازمين على مواجهة الإرهاب والتطرف، فمع قرأه عقل المتطرف يمكن أن نسير في الاتجاه الصحيح للمواجهة ونقضي على أي بذور يمكن أن تتبقى أو ينجح من خلالها هؤلاء المتطرفين بالتأثير في غيرهم فينتشر فكر المتطرفين مثل الفيروس القاتل في سرعته وتأثيره.. وللحديث بقية.