الفقر كافر ، ومجرم ، وقاطع طريق . الفقر أعنف مستبد ، وأسوأ ديكتاتور ، وأقبح طاغية ، شلال ظلام يهبط فوق سماواتنا الصافية ، وعكارة نهر متعطل عن التدفق ، وسلالم هابطة نحو الهاوية المجهولة .
الفقر هو أخطر عدو ، وأقسى متآمر ، وأحد جلاد فى حياة المصريين ، مضوا أم مازالو يجرعون مرارة الأيام فى صبر معتاد ، ومتتالية يومية .
لذا ، فإن على الرئيس القادم عبء ثقيل ، ومسئولية عظيمة فى مقاومة ذلك القبح الجاثم فوق دنيا المصريين منذ عقود ، إن الرئيس القادم لن يرفل فى ثياب الدعة والترف ، وإنما سينغمس فى هموم الناس ومتاعبهم ويتخيل آلامهم ويعيشها حتى يتمكن من علاجها .
لقد صارت الرئاسة أمانة وحَمل ، لا مبتغى ومغنم ، قيد وتحدى ومهمة صعبة ، لا تشريف وترف ونفوذ ، ومن يرغب فى تحمل المسئولية عليه التركيز فى أمر واحد وأساسى هو الاقتصاد ، أكل العيش أولا وثانيا وثالثا ، هكذا يرى البسطاء وهكذا يتمنى الغلابة الذين دفعوا الدم والعرق والدموع عقودا من الزمان دون أن يجدوا مساندة أو اهتمام حقيقى .
دائما كان الغلابة هم الرعايا ، وهم المحكومون ، وهم المضطهدون ، كانوا هم المواطنون المهمشون والمبعدون والمنسيون ، بينما كان أصحاب الاموال يستأثرون بالحلم والحكم ، ويلتفون حول الحاكم معضدين ومساندين ليفوزوا بالمال ، السلطة ، القوة ، القرار ، والحصانة .
دائما كانت مصر لا تقبل القسمة سوى على هؤلاء الالف أو بضعة الآلاف من الرجال الكبار ، بينما هناك ثمانين مليونًا لا يحصلون على أدنى حق .
إن أى قادم إلى مقعد الرئاسة مُطالب بتغيير حقيقى فى الخارطة الاجتماعية للناس ، عليه أن ينفض عنه "شلة " الكبار ، وحلقات رجال الاعمال ويضع نصب عينيه رجل الشارع البسيط ذا الجبهة السمراء واليد المتشققة ، عليه أن يخلع " النفورييش" من عنق الدولة ، وينزل إلى الفقراء والمعدمين ليأخذ بأيديدهم .
إن أى محلل اجتماعى درس التاريخ المصرى يعلم جيدا أن أزمة المصريين الحقيقية هى العدالة الاجتماعية ، وأن الناس على استعداد ان تؤجل أحلامها فى حرية تامة ، ورخاء دائم إن كانت هناك عدالة فى توزيع الثروات وتكافؤ فرص فى الاستفادة بمختلف المشروعات .
إن وضع الاقتصاد فى مصر يذكرنى بالمقولة الشهيرة للكاتب البريطانى الساخر برنارد شو عندما سئل عن صلعته ولحيته فأجاب : إنها مشكلة سوء توزيع !
وهنا فإن على الرئيس القادم أن يركز برنامج عمله ووقته وعقله وجهوده وتضحياته فى سبيل هدف أولى هو تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر . والله أعلم .