الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نظرة لمستقبل الإنترنت 2050

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن المؤرخ الفرنسى الفرنسى جان- نويل جانينى في مؤلفه «جوجل.. عندما تتحدى أوروبا» عام 2005 يتوقع أن تكون «الإنترنت» هى نافذة الملايين حول العالم للتواصل خاصة في ظل الحروب والكوارث ومؤخرا وباء الكورونا الذى يجتاح العالم ببطء وخبث. فإن تكون قيد الحجر الصحي في منزلك في مدن خالية من البشر، فإن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي هى المتنفس الوحيد لديك، بل وفرصة سحرية لعدم توقف الحياة فيمكنك أن تشتري عن بعد وأن تتابع تلقى دروسك التعليمية عن بعد!. 
إن بعض علماء الاجتماع في مطلع الألفية الحالية ذهبوا إلى التأكيد على خطورة أن تؤدى الإنترنت إلى الانغلاق على الذات على حساب طابع اجتماعي يفرضه البحث عبر الإنترنت، غير أن جانينى استشرف هذا المستقبل معولا على أهمية الإنترنت وأوضح تحمسه لكل ما تقدمه الإنترنت للخروج من انغلاق محتمل تعانيه أعداد غفيرة من الباحثين والمواطنين الذين همشهم وضعهم في المجتمع أو موقعهم الجغرافى أو المستوى الاقتصادى لبلدانهم.
تنبأ جانينى بما هو أبعد من تلك النظرة المغلقة التى حلل من خلال بعض العلماء ظاهرة ثقافة الإنترنت، مشيرا إلى أنهم غافلون تماما عن تنوع الممارسات الاجتماعية والمسالك الثقافية والتداخل المعقد للسلوك، وهو الأمر الذى كان كفيلا بأن يظل الراديو والتلفاز لهم مكانتهم حتى الآن، وراهن جانينى على أن الكثير من مستخدمى الإنترنت سوف يعودون إلى ثقافة الكتاب الكلاسيكية.. فالحضارة يجب أن تكون لها القدرة على التقدم على هذين المسارين في آن واحد، والفائدة الكبرى اليوم هى إمكانية المتابعة الصحية بين المريض والطبيب عبر الإنترنت. 
وكان العالم بيير ألين ميركير Pierre-Alain Mercier أوضح أن علاقات الناس بالعالم يتم التحكم بها تدريجيًا بواسطة الرقمنة، فالصوت والصورة والوقت والفضاء والفكر والفعل ورد الفعل، قد تمت رقمنتهم، حتى الجينات الوراثية قد تحولت إلى كود رقمى، فقد اتضح أن كل الكائنات الحية تشترك في خمسة أحماض أمينية وتظهر الاختلافات بين النوع البشرى بحسب ترتيب هذه الأحماض الأمينية. 
إن اليوتوبيا التى اجتاحت العالم حول مجتمع أفضل عبر التكنولوجيا، أصبحت أقرب ما يكون وبالفعل يظهر ذلك في استراتيجيات القارة العجوز أوروبا التى تسعى لجعل البيئة التكنولوجية آمنة في خطة الاتحاد الأوروبى الخمسية المقبلة. 
إن الإنترنت بمختلف معطياتها وتوقعاتها البحثية والإحصائية، وإتاحتها لآليات تفاعل مرن بين الأفراد والجماعات في وسطها الافتراضى، أصبحت تنقل مختلف أنماط النظم الاجتماعية والثقافية الطبيعية إلى مقابلها الإلكترونى. بل وتُكسب الإنترنت مستخدميها تقاليدها الاجتماعية الخاصة، وتساعد على تشكيل المجتمعات المحليةCommunities، بشكل منقطع النظير في السرعة وسعة النطاق الجغرافى، كما تعمل على إذابة الكثير من الفوارق بين الأفراد بتخطيها لحاجز الزمان والمكان، والفروق الاجتماعية المختلفة. وتُنشئ الصلات الاجتماعية المختلفة محليا وعالميا، وتطور المجتمع البشرى إلكترونيا، في الاتصال، وفى التجارة، والإدارة والتعليم.
لا شك أن كل التفاعلات التى تحدث نتيجة العلاقات الإنسانية من تحالفات وصراعات وجدناها متمثلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ولعل أبرزها في هذه الصراعات «فيسبوك» و«تويتر» و«انستجرام». 
إن الأبحاث التى تجريها حاليا مراكز الفكر والأبحاث حول مستقبل الإنترنت 2050 تسعى للكشف عن أن فقدان الخصوصية أمر هين في مقابل المنافع الجمة التى يكتسبها المستخدم عبر الإنترنت واتصاله بها. في الثمانينيات كتب مخترع الإنترنت السير تيم بيرنرز-لى مقترح لجعل العالم أكثر تشابكا وكانت النتيجة ظهور الإنترنت، وهو ينصح العالم والحكومات بضرورة الحفاظ على حيادية الإنترنت وتعزيز خدماتها في كل أنحاء العالم، خشية أن تصبح الإنترنت في المستقبل القريب نخبوية، بمعنى أنها ستكون متاحة للأثرياء دونا عن الفقراء. ويجرى الآن رسم الكثير من السيناريوهات حول مخاطر الإرهاب الإلكترونى والسرقات الرقمية والعملات الرقمية ومخاطرها، والأمن السيبرانى والحروب الإلكترونية فكل الدول تتحسب لحرب خسائرها تبدأ بعزلتها عن العالم وقطع الإنترنت عنها حتى مؤتمر ميونخ للأمن الأخير ركز على ذلك لكن في خضم كل ذلك فاجأنا كورونا بمخاطر الإرهاب البيولوجى الذى سببه للملايين عبر العالم والخسائر الفادحة التى منيت بها شركات الطيران والسياحة وغيرها، ليس علينا أن نتوقع السيئ لأن هناك دائما ما هو أسوأ «الأوبئة»!! ربما على قادة العالم والمراكز البحثية التفكير في دراسات وسيناريوهات تعزز قيم التعاون والخير العام بين الدول وتستكمل مشروعات المناخ والبيئة؛ لأننا في النهاية «في عالم واحد».