في كل مرة أزور فيها دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة أشعر بفيضٍ من الطاقة والحيوية والعنفوان قد دب في أوصال هذه الدولة الصاعدة بسرعة الصاروخ في مختلف المجالات على المستوى الإقليمى والدولي؛ سواء في التعليم أو الاقتصاد أو الرياضة أو الطيران أو الفضاء أو الرياضة. أشعر أن هذه الدولة تتمدد داخليًا وخارجيًا بعيدًا عما تعلمناه في علم العمران لابن خلدون أو علم الجغرافيا للإدريسي.. أشعر أننى في كل زيارة للإمارات في نزهة للمشتاق في اختراق الآفاق. إن ثمة عقول واعية تستشرف المستقبل تدير هذه الدولة وتضعها في مصاف الدول المتقدمة في بداية العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين.
لقد كانت الإمارات الدولة الثانية على مستوى العالم التى تُنشئ وزارة للقوة الناعمة Soft Power منذ سنوات بعد أن بلور «جوزيف ناي» هذا المفهوم، ونظمت عملها ومجالات أنشطتها المختلفة للترويج لكل مظاهر القوة في هذه الدولة التى تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وتسيطر على مقاليد الحاضر، وتمضى بخطى واثقة نحو المستقبل. ولذلك لم يكن غريبًا على الإطلاق أن تُصنف الإمارات في المركز الأول إقليميًا والثامن عشر عالميًا على مؤشر «القوة الناعمة»، وهو مؤشر جديد أطلقته هذا العام شركة «براند فاينانس» Brand Finance البريطانية المتخصصة في الأبحاث المتعلقة بالعلامات التجارية للدول والمؤسسات.
ويرصد المؤشر عوامل قوة الدول ومقومات تأثيرها بخلاف عوامل القوة العسكرية (القوة الصلبة) Hard Power، بما في ذلك قوة اقتصادها وجاذبيتها للأعمال التجارية، وتأثيرها الثقافى وإنجازاتها العلمية وغير ذلك. وجرى تصنيف ٦٠ دولة في أول إصدار من المؤشر الجديد، استنادًا إلى آراء ٥٥ ألف شخص ينتمون إلى أكثر من ١٠٠ دولة. وحصلت الإمارات على ٤٥.٩ نقطة من ١٠٠ نقطة، وهو ما منحها المركز الثامن عشر عالميًا. ومما يدعو للفخر والعِزّة القومية أن غالبية الخبراء المشاركين في التقييم يروْن أن مهمة «مسار الأمل» التى من المنتظر أن تطلقها الإمارات هذا العام لاكتشاف كوكب المريخ كان لها دور كبير في تعزيز مكانة الإمارات العالمية المتقدمة على المؤشر الذى احتلت المراكز الخمسة الأولى عليه الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والمملكة المتحدة واليابان والصين.
وأكد «التقرير العالمى لمؤشر القوة الناعمة ٢٠٢٠» أن بناء الهوية الإعلامية المرئية التى تم الكشف عنها في ديسمبر ٢٠١٩ كانت خطوةً إيجابية أتاحت لجيل الشباب النجاح، وكانت الإمارات سباقة في المنطقة، وشكّلت مركزَ جذبٍ حقيقيًا للمواهب الخلاقة والقادرة على تنظيم المشروعات. وأشار التقرير كذلك في مجال التأثير العالمى إلى أن الأنظار كلها تتجه إلى الإمارات مع استضافة دبى لمعرض «إكسبو ٢٠٢٠» بدءًا من أكتوبر القادم، والذى يفتح أبوابه لما يزيد عن ٢٥ مليون زائر، وتشارك فيه ١٩٠ دولة، ويُمثل علامةً بارزة تشكل امتدادًا قويًا للقوة الناعمة للإمارات.
وقد أصبحت دبى المدينة الأكثر شعبية في المنطقة للعام ٢٠٢٠؛ فقد حصلت على ذهبية جائزة خليفة للامتياز لـ«اقتصادية دبي»، وتنامت ثقة المشروعات بمركزها المالي، كما أنها قامت بإطلاق «تقرير تنافسية المستقبل»، وعلاوةً على ذلك فإن معرض «إكسبو ٢٠٢٠» الذى تنظمه دبى هذا العام يرسم ملامح مستقبل التعليم والاقتصاد في العالم.
وهكذا صارت دولة الإمارات الأقوى في التأثير العالمى ضمن مؤشراتٍ كثيرة ذات ثقل ومصداقية، فهى الأولى عربيًا والـثامنة عشرة عالميًا في القوة الناعمة، والحادية عشرة عالميًا في معيار التأثير، والأولى عربيًا وضمن العشر الأوائل عالميًا في الأعمال، ولعل هذا يدل على أن تأثير دولة الإمارات قد تخطى حدودها الجغرافية ليصل إلى كل أرجاء العالم بل ويلامس حدود الإنسانية جمعاء، وهو ما يضع على عاتقها مسئولية ضخمة يجب أن تتحملها لكى تعيد مكانة العرب في كل أرجاء المعمورة بعيدًا عن قيود الجغرافيا، وانطلاقًا من جذور التاريخ العريق للإمارات وشقيقاتها العربيات.
وقد شهدت دبى في أواخر شهر فبراير الماضى توقيع اتفاقية تعاون بين هيئة الطرق والمواصلات وشركة «بيم كار» القابضة المحدودة، إحدى الشركات الرائدة في مجال تطوير أنظمة النقل المعلقة على مستوى العالم، وذلك في إطار التعاون لتقديم حلول مستقبلية للتنقل، عبر تطوير وحدات النقل المعلقة التى تعمل بتقنية أنظمة النقل المعلقة، وهو ما يضمن السرعة والأمان والتوفير في الموارد.
كما أعلنت «مؤسسة دبى للمستقبل» الشهر الفائت تحقيق إنجاز جديد لدولة الإمارات باعتماد «مكتب المستقبل» رسميًا في موسوعة «جينيس للأرقام القياسية» كأول مبنى تجارى بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد ٣D Printing Technique في العالم، ليُضاف هذا الإنجاز إلى سلسلة الأرقام القياسية التى حققتها الدولة على مدى السنوات القليلة الماضية، والتى يفوق عددها أكثر من ٤٠٠ رقم قياسى حتى الآن، كما تعتبر دبى أكثر مدينة عربية حاصلة على ألقاب «جينيس» بفضل مشاريعها الفريدة وابتكاراتها الرائدة. ويتميز مبنى «مكتب المستقبل» بتصميمه الفريد ومساحته الواسعة التى تبلغ ٢٥٠ مترًا مربعًا، وقد تمت طباعته باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد بارتفاع ٢٠ قدمًا وطول ١٢٠ قدمًا بالاستعانة بذراعٍ آلية لتنفيذ عملية الطباعة.
وهكذا يحق لسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أن يقول «إن الإمارات منصة عالمية للحوار حول المستقبل»، فكما كتبت الإمارات تاريخها بحروفٍ من نور، وكما سطّرت حاضرها بسطورٍ من ضوء الشمس المتلألئة والتى تنعكس أشعتها على صفحة الخليج العربي، فإنها تكتب المستقبل بذكائها الصناعي وإنترنت الأشياء وبنهضة تعليمية غير مسبوقة وجامعات على مستوى راقٍ في المبنى والمعنى والمنهجية العلمية.
مَن أراد أن يشارك في كتابة المستقبل، أو يتحاور بشأنه، أو يعرف ما يخبؤه لنا في قادم الأيام والسنوات.. فليذهب إلى الإمارات.