نجحت المملكة العربية السعودية الشقيقة في تشكيل منظومة صحية عالية الجودة، وتقديم خدمة صحية راقية، يشهد بها كل من زار المملكة. ونجحت كذلك في وضع نظام تدريب وتسجيل للأطباء يعادل الأنظمة المتبعة في أرقى دول العالم. وفى هذا المقال نلقى الضوء على تجربة المملكة العربية السعودية المتميزة في إنشاء الهيئة السعودية للتخصصات الصحية واللائحة العامة لتدريب الأطباء في برامج الدراسات العليا، بغرض الاستفادة من التجارب الناجحة في البلدان العربية، خاصة ونحن نخطط للنهوض بمنظومة الصحة المصرية، كأحد أهم اهتمامات القيادة السياسية الحالية.
وقد تم في سنة ١٩٩٣، إنشاء الهيئة السعودية للتخصصات الصحية Saudi Commission for Health Specialities
ونجحت الهيئة على مدى العقود الثلاثة الماضية في إنشاء نظام صحى عصرى متطور وعلى أسس علمية صحيحة. وبزيارة الموقع الإلكترونى للهيئة السعودية (scfhs.org.sa) يمكنك التعرف على الهيكل التنظيمى واللائحة العامة للتدريب في برامج الدراسات العليا. والتشكيل والاختصاصات لكل من المجلس التنفيذى للتعليم والتدريب، اللجنة المركزية للتدريب، المجلس العلمي، اللجنة العلمية، لجنة الإشراف المحلية ولحنة الإشراف وغيرها من اللجان الفرعية، المشرفة على تدريب كل طبيب في المنظومة الصحية.
الأهم من كل ذلك هو النظام الموحد لتدريب الأطباء، سواء كان التدريب في مستشفى جامعى أو تابع لوزارة الصحة أو القوات المسلحة، والمتابعة الدقيقة لكل متدرب، وتقييم موضوعى لجودة التدريب، ومعايير موضوعية تتفق مع كل المقاييس العالمية.
وفى نهاية التدريب يحصل من يجتاز الامتحان الإكلينيكي على شهادة الاختصاص السعودية في التخصص العام (الباطنة والجراحة والنساء والتوليد والأطفال وغيرها)، تماثل البورد الكندى والأمريكى والزمالة البريطانية. ثم يستمر التدريب المتخصص في أحد أفرع التخصص العام، ينتهى بالحصول على الزمالة السعودية في التخصصات الدقيقة، تعادل شهادة التدريب المتخصص في كل دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
وبمقارنة النظام السعودى في التدريب بالنظام المصري، نجد أن تدريب الأطباء المصريين يتم في عدة أنظمة مثل الماجستير والدكتوراه، وهى شهادات أكاديمية تمنحها الجامعات. والزمالة المصرية، وهى برنامج تدريبى ودرجة إكلينكية تمنحها وزارة الصحة المصرية.
ولقد عايشت أثناء عملى كعميد لطب المنصورة، العديد من المشكلات التى تواجه الأطباء المصريين، عند التحاقهم بالعمل في السعودية وباقى دول الخليج، بسبب اختلاف المسميات ومحتوى التدريب، خاصة في تدريب أعضاء هيئة التدريس، بنظام الماجستير والدكتوراة داخل الجامعات المصرية. ولذا، يجب علينا أن نوحد نظم التدريب والامتحانات لكل الأطباء في التخصصات الإكلينكية.
ولقد كان لى عظيم الشرف أن عملت مع أستاذنا الدكتور رشاد برسوم، ومجموعة من الخبراء من الجامعات ووزارة الصحة المصرية، في محاولتين منفصلتين لإنشاء منظومة متكاملة لتدريب وتأهيل الأطباء في مصر، على غرار الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. المحاولة الأولى حدثت أعوام ٢٠٠٩-٢٠١٠، بمبادرة شخصية من الدكتور رشاد برسوم، ووضع عدة مسارات للتدريب الإكلينيكى للأطباء، ولائحة كاملة بمدة ومحتوى التدريب، وقدمها إلى وزارة الصحة والمجلس الأعلى للجامعات، وتم الموافقة عليها ورفعها إلى الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك، ولكن جاءت أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، ولم ير المقترح النور.
المحاولة الثانية، أعوام ٢٠١٧-٢٠١٨، أثناء ترأس الدكتور رشاد برسوم اللجنة المركزية للبورد المصري، وكنا قد أعددنا مع هيئة التدريب الإلزامى اللائحة المتكاملة لبرنامج تدريبى موحد لكل الأطباء، تحت مسمى البورد المصري، ولكن للأسف الشديد، لم تر اللائحة النور بسبب الخلافات بين وزارتى الصحة والتعليم العالي. وفى النهاية قررت وزارة الصحة الاستمرار بمفردها في الزمالة المصرية، وقررت الجامعات إنشاء بورد للجامعات، وهو مالا يوجد له مثيل في أى دولة في العالم.
وللسعودية تجربة رائدة في ابتعاث الأطباء الشبان للتدريب في التخصصات الإكلينيكية في كندا، وهى تجربة كان لها عظيم الأثر في تدريب الأطباء السعوديين في أكبر المستشفيات والمراكز الطبية الكندية. وفى لقاء مع أحد المسئولين السعوديين، ذكر أن الملحق التعليمى السعودى الأسبق، كان قد اتفق في تسعينيات القرن الماضي، مع السلطات الكندية على توفير فرص تدريب للأطباء السعوديين داخل المستشفيات الكندية، مثلهم مثل الأطباء الكنديين، على أن يستكملوا البرنامج التدريبى لمدة خمس سنوات ولحين الحصول على البورد الكندي، ثم العودة للعمل كاستشاريين في مستشفيات المملكة. وقد قابلت العديد من الزملاء الأفاضل الذين عادوا إلى المملكة بعد حصولهم على البرنامج التدريبى والبورد الكندي، وأشهد بأن مستواهم العلمى والمهارى لايقل عن أى استشارى في أكبر المستشفيات الأمريكية أو الإنجليزية.
أدعو الله سبحانه وتعالى أن نستفيد من التجربة السعودية، وأن ننشئ المجلس المصرى للتخصصات الصحية. وأن نتفق على نظام واحد محدد المعالم، ومتوافق مع الأنظمة العالمية لتدريب الأطباء. وأن يتم التدريب داخل جميع الوحدات الصحية والمستشفيات المصرية، بصرف النظر عن تبعيتها الإدارية، وفق جدول زمنى ومحتوى علمى ثابت يتوافق عليه الجميع.
وكلى ثقة أن مصر قادرة على تطوير وتحديث منظومتها الصحية، في ظل قيادة سياسية وطنية مخلصة وداعمة لتحقيق تنمية مستدامة ونهضة حقيقية في مجال الرعاية الصحية في كل ربوع مصر.