قبل أن يرحل أديب نوبل العالمى نجيب محفوظ، كان مشايخ الحسبة، من يملكون فى أيديهم صكوك الغفران، لم يحسموا تمامًا إن كان صاحب «أولاد حارتنا» سيدخل الجنة أم النار؟!، ثم تركهم نجيب محفوظ فجأة يتخبطون فى حيرتهم، وذهب وحده ليقف بين يدى الله!. ولا أظن أن الرجل نفسه كان مشغولًا بهذا الأمر، فقد عاش حياته طولًا وعرضًا وكتب ما كتب، وترك للناس إبداعه وذهب بدون حتى أن يكلف نفسه عناء الرد على السؤال الذى أوجعهم وقض مضاجعهم طويلًا، حتى إنهم حاولوا إزهاق روحه اغتيالًا ليرتاحوا منه.. ومع ذلك فشلوا!!
ثم تكرر الأمر نفسه مع آخرين، منهم من قٌضى اغتيالًا (فرج فودة)، ومنهم من مات قهرًا (نصر حامد أبوزيد)!..
ورغم أن الوجوه تغيرت، من عبدالصبور شاهين إلى حازم أبو اسماعيل وبرهامى.... إلى عبدالله رشدى.. إلا أن قضية من يدخل الجنة والنار ما زالت تشغلهم، بل تفزعهم بصفة خاصة إذا ماكان المستهدف شخصية مسيحية عالمية بحجم سير مجدى يعقوب!!
ويبدو أن مسألة دخول مجدى يعقوب «بالذات» النار تعذب الكثيرين من دعاة التكفير الذين كلما هدأت النار قليلًا حول الرجل أشعلوها، أو كلما رأوه يحقق إنجازًا إنسانيًا عظيمًا، إذا بهم ينسجون حوله فتاواهم العنكبوتية (هو مسيحى، وعمله الصالح وحده لن يدخله الجنة!!)، وهذا ما خرج به علينا مؤخرًا أحد المدعين المنسوبين للدعاة، وهو الأمر الذى فجر الجدل من جديد حول طبيعة الخطاب الدينى «الجديد» الذى يتبناه الأزهر قولًا بينما على أرض الواقع يترك بعض رجاله ليثيروا غبارًا يعمى عيون الناس عن همومها الحقيقية!.
هل سيدخل مجدى يعقوب الجنة؟!
وإنت مالك؟! هذه مسألة بين الرجل وربه، هل هو سألك إن كان ربنا سيقبله فى الجنة أم سيحرمه منها؟!، ثم ماذا سيحدث بعد أن تخرج على الناس بفتواك العظيمة وتعلن أنه «فى النار»؟!، هل سيرفض أهالى الأطفال المساكين مرضى القلب علاجه لأبنائهم؟!.. هل سيقاطعون مستشفاه؟!.. هل سيعتبرون أن الملايين التى جمعها للمستشفى الجديد هى أموال كافرة وحرام أن يعالج بها الناس؟!
ماذا سيستفيد دعاة الفتنة شخصيًا إذا روجوا بين الناس أن هذا الرجل النبيل بالذات سيدخل النار؟!.. هل بعد ذلك سيضمنون هم دخول الجنة؟!
ولعل الحملة الكبيرة التى أطلقها آلاف المصريين على مواقع التواصل الاجتماعى لترشيح د. مجدى يعقوب لجائزة نوبل قبل أيام، كانت هى أبلغ رد مصرى نبيل على من أرادوا حرق الرجل فى أتون نار عنصرية بغيضة، بل وكان الرد التلقائى البسيط من مجدى يعقوب نفسه كافٍ لحرق دمهم:
«أنا مش مشغول أنا هروح الجنة ولا النار، دى مسألة فى إيد ربنا، أنا هنا فى الجنة وشايف إن أى حاجة كويسة بعملها كأنها الجنة بالنسبة لى، وأنا الحمد لله سعيد باللى بعمله عشان الأطفال».
وربما هذا النموذج الإنسانى النادر الذى يجسده مجدى يعقوب هو ما نحتاجه لوقف هذه الحملة الجديدة من توزيع شهادات الصلاحية لدخول الجنة، ربما جاء مؤخرًا التصريح القوى للشيخ أحمد كريمة وهو من صقور الأزهر المعروفين بأن «المسلمين ليسوا وحدهم من سيدخل الجنة» بمثابة تطييب خاطر متأخر للدكتور مجدى يعقوب وكل من صدر ضدهم سابقًا حكم التكفيريين بدخول النار، ولكن.. هل هذا يكفى؟!
هل يكفى أن ننتظر فى كل مرة غضبة الناس بعد كل حريق يشعله مدعٍ موتور باحث عن الشهرة باسم الدين؟.. ألم يحن الوقت لوقف نزيف الفتاوى اليومية التى تطال كل صغيرة وكبيرة فى حياة الناس؟.. ثم.. هل يكفى أن نوقف أمثال عبدالله رشدى عدة أسابيع عن صعود المنبر حتى تهدأ العاصفة، ليعودوا مرة أخرى كالجراد يسممون حياة الناس؟!
.. أظن أن العقاب الوحيد الذى تمناه آلاف المصريين له بعد فتواه المريبة بحق مجدى يعقوب.. أن يدخل عبد الله رشدى نفسه النار.. يا رب.. آمين.