الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مبارك.. فصل من التاريخ (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد تردد دام عدة أيام، وبعد اطلاع على عشرات المراجع ومئات الأسطوانات ومحاضر الجلسات والخطب التى ألقاها الرئيس مبارك في مناسبات مختلفة، قررت أن أبدأ كتابة النص الإذاعى المطلوب، وكنا لم نزل في مطلع 2008، واخترت أن تكون البداية من أديس أبابا؛ حيث محاولة الاغتيال التى تعرض لها الرئيس في يونيو 1995، باعتبارها لحظة فاصلة في حياته، فطلقات الرصاص والآر بي جيه، كانت كفيلة بتدمير موكبه، ولكن كما قال له قداسة البابا شنودة في كلمته التاريخية التى ألقاها أمامه بعد عودته سالما إلى أرض الوطن: «كانت أسلحة الموت في يد الناس، لكن حياتك كانت في يد الله». ومن هذه النقطة الفاصلة بدأت أتناول دراما مبارك، فبعدما واجه الموت وقام أفراد الحرس بقتل كل المشاركين في هذه المؤامرة، قال مبارك لسائقه: «لف وارجع تانى»، وكان على بُعد عشر دقائق من المطار، في هذه الدقائق العشر تخيلت مبارك وهو يتذكر حياته كشريط سينمائى طويل، ففى صباح الرابع من مايو 1928، رزق السيد السيد إبراهيم مبارك محضر محكمة طنطا، بطفله الرابع «محمد حسنى»، وهو اسم مركب كان سائدا آنذاك كأحمد فؤاد، وبالمناسبة فقد كان أحمد فؤاد حاكما لمصر لحظة ميلاد مبارك، وقصة الأسماء المركبه تكمن في رغبة البعض تسمية أولادهم بأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، وفى ذات الوقت تسميتهم بأسماء أجدادهم وأعمامهم، من هنا جاء محمد حسنى، وكان والده قد رزق من قبل بفوزى، وسامى، وسامية، ثم رزق من بعد حسنى، بعصام وهو الشقيق الأوحد للرئيس مبارك الذى ما زال على قيد الحياة، وكان الأب موظفا بسيطا التحق بالعمل في وزارة الحقانية – العدل – بتزكية من عبد العزيز باشا فهمى القطب الوفدى الكبير وأحد أعضاء الوفد المصرى مع سعد زغلول وعلى شعراوى، الذين حررت لهم التوكيلات للنيابة عن الشعب، وكان فهمى قاضيا ووزيرا للحقانية، وهو من أبناء قرية كفر المصيلحة، القرية التى ولد في أحد بيوتها محمد حسنى، وكان عبد العزيز فهمى مهتما بقريته وبأهلها، وهو من قام بتوظيف أبنائها في مختلف المصالح الحكومية، لا سيما وزارة العدل.
ومن الطرائف التى قيلت عنه إنه بعدما فرغ من توظيف أبناء قريته، قام بتوظيف الحمير والبهائم، وأصل هذه القصة يرجع إلى أن سيدة فقيرة ذهبت إليه تطلب منه مساعدة مالية، فسألها: هل لك زوج؟ قالت: مات.. فسألها هل لك ابن؟ قالت: كلا، فسألها: ماذا تملكين؟ فقالت: ورثت حمارا لا أجد من يشتريه، فقرر فهمى تعيين الحمار في مصلحة البريد مقابل ثلاثة جنيهات شهرية، وكان الرجل دائم الصلة بقريته، ويفتح بابه للفقير قبل الغنى، وفى المساء كان أهل القرية جميعا يذهبون إلى مجلسه ليحدثهم عن الظروف السياسية التى كانت تمر بمصر؛ حيث كان الملك فؤاد يضيق بدستور 23 الذى منح الحكومة سلطات واسعة وسلبه الكثير من الصلاحيات، فاتفق مع رئيس وزرائه إسماعيل صدقى، على صياغة وإعداد دستور جديد، وهو ما عرف بدستور30، أو دستور صدقى، والذى قابله الشعب بالاعتراض وتنظيم مظاهرات وإضرابات واجهها صدقى بحملات اعتقالات شرسة، وكان لعبد العزيز فهمى دوره في مواجهة ورفض هذا الدستور الجديد، حتى اضطر فؤاد إلى التراجع مرة أخرى والعودة إلى دستور 23، ولعبد العزيز فهمى مواقف كثيرة أخرى، منها تقديمه لاستقالته؛ حيث كان رئيسا لمحكمة الاستئناف حين علم أن عضوا بمجلس النواب اعترض على مساواة راتب القاضى براتب الوزير، فاعتبر فهمى ذلك تدخلا في شئون القضاء، وعندما شكره وأثنى عليه الملك فؤاد بعد افتتاحه لمبنى دار القضاء العالى، اجتمع فهمى بالقضاة وعرض عليهم رسالة الملك، ثم قال لهم: «أرى أن نوجه رسالة للملك نرفض فيها رسالته التى بعثها لى، لأن من يملك الشكر والثناء يملك الذم، والقاضى لا ينتظر الشكر أو الذم»، هذه هى الحكايات التى كانت تتردد في مجلس عبد العزيز فهمى بكفر المصيلحة في حضور أهالى القرية جميعا، ومن بينهم السيد مبارك، والذى كان يعود إلى بيته حيث زوجته السيدة (نعيمة) وأطفاله الصغار، وكان حسنى مبهورا بما يحكيه الأب عن شخصية فهمى، وبينما كان أطفال القرية جميعهم يلعبون ويتسابقون فيما بينهم، كان حسنى يتركهم ليتسلل إلى مجلس عبد العزيز فهمى منصتا إلى حديثه عن الاستعمار والملك والوفد، وانتبه حسنى الذى لم يكن قد بلغ السادسة بعد إلى الاحترام الذى كان يتحدث به عبد العزيز باشا فهمى عن الجيش المصرى، وأنه ليس غائبا عن المشهد كما يتصور البعض، وأن فؤاد أراد لابنه فاروق أن يتعلم العسكرية لرغبته في ضمان مؤازرة الجيش للقصر، ورغبة أيضا في عدم ابتعاد أبناء محمد على عن الجيش الذى قام بتأسيسه، وهكذا تفتحت مدارك الطفل الصغير حسنى على أهمية الجيش ومكانته في نفوس الجميع، سواء القصر أو الشعب أو الساسة، ومما روى أيضا أن عبد العزيز فهمى كان بين الوقت والآخر يقيم ليلة فنية في كفر المصيلحة، فيستدعى فنانا مشهورا وشاعرا ومادحا للرسول، ويقوم بالذبح وتقديم الطعام لأهل القرية في سرداق كبير يقام في(جرن) القرية، وفى ليلة من تلك الليالى كان «حسنى» الذى لم يزل في السادسة من عمره، يقف خلف السرداق مع بقية الأطفال الذين جاءوا ليشاهدوا (عبد الوهاب) وهو يغنى، وقيل (عبده الحامولى)، ولأن الأطفال يمنعون من دخول السرداق، فكانوا يقفون خلفه ويختلسون النظر عبر فتحات السرداق، ولكن نتيجة الزحام وتدافع الأطفال وقع جزء من السرداق وفر الأطفال جميعا، ولكن حسنى فوجئ بأنه قد وقع أمام الباشا داخل السرداق، فلما رآه الأب السيد مبارك هم بضربه فمنعه عنه عبد العزيز فهمى، ودعاه للوقوف أمامه، وسأله: ما اسمك؟ قال: حسنى مبارك، فسأله: هل دخلت مدرسة؟ فأجاب الأب عنه: إنه لم يزل صغيرا ولم يبلغ السن بعد، ولكنه يذهب إلى الكتاب، فسأله فهمى: هل تحفظ شيئا من كتاب الله، فردد أمامه سورة «الناس»، فكان سؤال الباشا الأخير: فيما تفكر أن تكون عندما تكبر، وكان الجواب: ضابط بالجيش المصرى.. وللحديث بقية.