الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كورونا والموت الحلال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صادفني في الأيام الماضية عدد من المنشورات على موقع فيسبوك لأكثر من شاب وفتاة لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاما، يكتبون عن وجود أعراض كورونا لديهم فيتساءلون أين نذهب لنتأكد من ذلك متمنين لو أنهم مصابون به بالفعل! 
ألهذا الحد أصبحت الحياة رخيصة عند من لم يقطعوا فيها طريقا طويلا، وما زالوا عند مقتبل الطريق بحياتهم، ما الذي وصل بهؤلاء الصغار لحب الموت وكراهة الحياة، وماذا رأوا من هذه الحياة في تلك السنوات القليلة التي مرت من أعمارهم حتى يتمنوا الموت على عجل؟ 
يحزنني أن أرى شابا لا يخطط لحياته وإنما ينتظر موته، ولعلها من علامات الساعة التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديثه الذي رواه مسلم من رواية أبي حازم عن أبي هريرة، قال: "لا ﺗﺬﻫﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻤﺮ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﻓﻴﺘﻤﺮﻍ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺇﻟﺎ ﺍﻟﺒﻠﺎﺀ"، وكأن في الموت راحة وفسحة وانتقالا من حياة الضيق والملل إلى شيء آخر أكثر إثارة وشغفا. 
فإن كان الذي يمنع الإنسان من الموت هو مخافة إثم الانتحار، فعند إيجاد وسيلة أخرى تقرب إلى الموت تتعاظم الرغبة في الإصابة بها لدى من يتمنون الموت، فيصبح كورونا مطلبا لظهوره وانتشاره حتى يظفر المصابون به بالموت الحلال، وإن تم الإعلان عن حالات مصابة بفيروس كورونا فيحسدهم آخرون ويقول شاب يا ليتني مكانهم! 
وفي ظني أن هذا يتلخص في سببين أساسيين، هما: 
أولا: الهروب من المسئولية 
فكثير من الشباب لا يرغبون في تحمل المسئولية، ويريدون التحصل على ما يتمنونه من دون مشقة وكدٍّ وعناء، فيدفعهم الهروب إلى إنهاء هذه الحياة التي ليس عندهم من القوة والجَلَد ما يعينهم على تحمل مصاعبها. 
ثانيا: ضعف الإيمان 
فلو علم الشباب أن هذه الحياة قصيرة وأنها دار امتحان وتمحيص، وأن فيها من الابتلاءات ما جعله الله تمييزا بين العباد، لرأوا الحياة بعين غير التي ينظرون بها إليها. 
كذلك فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عن الانتحار وقتل النفس فقط بل نهى عن تمني الموت، فقال في حديث أنس - رضي الله عنه -: "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي"، وهذا نهي صريح وواضح بعدم تمني الموت أو الإصابة بمرض يؤدي إلى الموت. 
فليس كل الموت راحة وليس بعد الدنيا ضمان بالأفضل، فإن تلك الحياة بكل ما فيها وما عليها هي وسيلة لنيل أعلى الدرجات في الدار الآخرة حيث جنة ونار، ونعيم وعذاب مقيم، وفي الجنة كل إنسان بحسب عمله في الدنيا له درجته، فتلك الحياة هي الفرصة والغنيمة لانتهازها بكل السُبل من أجل الفوز بأعلى درجة في الجنة، هكذا تصبح للحياة قيمة ومعنى ويصبح للتواجد فيها هدف وطموح، يجعل كل لحظة بهذه الدنيا في عين من عرف حقيقتها فرصةً يحزن لضياعها، وينشغل باستغلالها، فمن لم تكن لحياته قيمة سيكون أيضا موته بلا قيمة.