الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«سومة» كرمها الزعماء.. وكتب عنها «مبارك»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى الوقت الذى استقبلتها القابلة، كان أبوها يقرأ كتابا عن أولاد النبى (صلى الله عليه وسلم) وقبل أن تبشره بولادتها خوفا من أن تصدمه بأن المولود الذى ينتظره ليس ولدا، بل بنتا فائقة الجمال. اختار لها اسما كان غريبا على أهل زمانه وهو «أم كلثوم»، هذا الاسم الذى عارضته أمها واختارت أن تناديها بدلا منه بـ«سومة»، وهو الاسم الذى فضله كل عشاقها فيما بعد.
لم تكن تعرف القابلة أن المولودة التى خشيت أن تبشر والدها بمجيئها فى الرابع من شهر مايو عام ١٩٠٤ (وإن كان تاريخ مولدها غير معلوم على وجه الدقة)، ستصبح علما من أعلام الغناء فى مصر والعالم العربى، كما لم يعرف الأب والأم أن الملايين فى شتى بقاع الأرض سيختارون لها اسما آخر غير ما أطلقاه عليها لتصبح «كوكب الشرق».
شجع الأب ابنته على حفظ القرآن الكريم والقصائد والتواشيح، وفى العاشرة من عمرها تجلى جمال صوتها وقوته، فغنت لأول مرة أمام حشد من الناس فى حفل أقامه عمدة القرية فى بيته.
زارت أم كلثوم القاهرة لأول مرة فى عام ١٩٢٠، لتحيى حفلا ضمن فرقة والدها لتستعر المنافسة بينها وبين منيرة المهدية التى كانت تُعرف بالسلطانة، وهى من أشهر مطربات تلك الأيام.
وفى عام ١٩٢٤ تعرفت على الشاعر أحمد رامى الذى تعهدها بالرعاية والتعليم وأثقلها بالمهارات، الأمر الذى أهلها لتحيى حفلات الطبقة الراقية، كما كان لقاؤها بالشيخ أبوالعلا محمد والملحن محمد القصبجى بمثابة نافذة واسعة أطلت منها على عالم الموسيقى والمقامات وأصول العزف على العود.
بعد شهرتها فى عالم الغناء، انهالت عليها العروض السينمائية لتطل على جمهور الشاشة الكبيرة لأول مرة عام ١٩٣٥ من خلال فيلم (وداد)، وبعد عامين جاء فيلم (نشيد الأمل)، لتتوقف بعده عن التمثيل ٥ سنوات كاملة، لتعود مرة أخرى فى عام ١٩٤٢ من خلال فيلم (عايدة)، وبعد عامين أتى فيلمها الأشهر (سلامة)، وفى عام ١٩٤٨ اختتمت مسيرتها السينمائية بفيلم (فاطمة).
قدمت أم كلثوم عبر مسيرتها الحافلة ما يقرب من ٧٠٠ أغنية، واستحقت عن جدارة العديد من الجوائز والأوسمة والنياشين من مصر ومختلف البلاد العربية.
ونظرا لمكانتها الرفيعة ولدورها الوطنى البارز والمعروف حظى أكثر من زعيم مصرى وعربى بمقابلتها، كما جمعتها ببعضهم علاقات طيبة قائمة على الصداقة والمودة والتقدير، أبرزهم الرئيسان الراحلان جمال عبدالناصر وأنور السادات، كما كان الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك واحدا من أشد معجبيها، للدرجة التى دفعته ليكتب عنها بنفسه كلمة حملت توقيعه ونُشرت كمقدمة لكتاب (أم كلثوم.. كوكب الشرق)، صدرت الطبعة الأولى منه عام ٢٠٠٨ عن المركز القومى للترجمة، للباحثة إيزابيل صياح- بوديس وترجمة سونيا محمود نجا.. وقال «مبارك» فى كلمته عن كوكب الشرق: 
«إن صوت أم كلثوم لم يخفت أبدا... وأرقام مبيعات تسجيلاتها وعدد ساعات تقديم أغانيها فى الإذاعة المسموعة والمرئية لم تتوقف عند حد، بل ظلت تتصاعد وتتفوق على غيرها.. وما زال حصاد شرائها مستمرا فى العالم أجمع».
وهذا الكتاب وهو ثمرة دراسة قامت بها كاتبة جزائرية شابة أصبحت فرنسية بزواجها – يؤكد أن ظاهرة أم كلثوم تلك الفنانة العظيمة التى كانت بالأمس سفيرا للفن وللوطنية المصرية ما زالت هامتها المهيبة ترتفع اليوم عالية فى العالم العربى كله، بل فى عالم الثقافة، فذكراها باقية فى كل مكان.. وما زال شدوها يعبر عن أعمق الأحاسيس الإنسانية.. للسعادة والسلام، والحب، والإخلاص.
وإذا كان العمل الفنى لا يسمو ويتحول إلى رمز إلا إذا عبر عن الواقع، فإن أم كلثوم استطاعت بفنها أن تصعد إلى القمة، وأن تتربع فى قلوب الناس وذاكرتهم... وتفتحت بذلك أمامها أبواب الخلود والتاريخ.. ولم يكن غياب أم كلثوم عن عالمنا غير مرحلة أولى من سلسلة استقرارها فى ضمير البشر.
وقد كان الإنسان المصرى بما أبدعه من فن حضارى منذ أقدم العصور منبهرا بالأسرار الخفية، ومسحورا بالخلود والديمومة ولا نهائية الزمان والمكان.. وبهذا الإبداع الفنى اللازم لحياة الجماعات الإنسانية الذى جددته كوكب الشرق بأغانيها، استطاعت أم كلثوم أن تكسب العالم.