لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية تبذل جهودًا في مواجهة الإرهاب وبخاصة الإرهاب المعولم أو عابر الحدود والقارات والتي تخشى أمريكا من أن يصل إليها، ولكن السؤال هل نجحت واشنطن في مواجهة التنظيمات المتطرفة؟
أزمة المجتمع الدولي والدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية أنها تُقدم مصالحها السياسية على أي مصلحة عامة بما فيها مواجهة الإرهاب، وهنا نجدها تقوم بدعم جماعات وتنظيمات دينية مارست العنف في منطقة الشرق الأوسط بهدف استخدامها كوسائل ضغط على بعض أنظمة الحكم في بعض العواصم العربية، وهنا للولايات المتحدة مصالح سياسية ورؤى تسعى لتطبيقها فتستخدم جماعات العنف والتطرف والتمرد من أجل تطبيقها.
بعد 19 عامًا عقدت الولايات المتحدة الأمريكية صفقة سلام مع حركة طالبان المتطرفة من دخولها أفغانستان على خلفية تفجيرات 11 سبتمبر عام 2001، وهذا إن دل فإنما يدل على فشل أمريكا في مواجهة الإرهاب بعد أربعة عقود من الحرب، أو أننا نستطيع أن نقول إنها لم تكن عازمة بإرادة حقيقية في مواجهة الإرهاب، بمعنى أن البيت الأبيض قد يتخلى عن مواجهة الإرهاب في ظل إدارة حزب ما وقد يواجه في ظل إدارة أخرى، وهنا الفيصل أن مواجهة الإرهاب ليست استراتيجية للولايات المتحدة أو أن رؤيتها للمواجهة عليها ملاحظات.
كان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، شاهد عيان على توقيع الاتفاق مع حركة طالبان، وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها سوف تقوم بتخفيض عدد قواتها في أفغانستان من 13 ألفا إلى 8600 جندي خلال 135 يومًا، وهو ما يُعني انسحاب القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي "الناتو" خلال 14 شهرًا، ليس هذا فحسب وإنما أعلنت البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سوف يستقبل قادة حركة طالبان في البيت الأبيض!
سلوك الولايات المتحدة لم يكن مستغربًا ولم يخرج عن سياق السلوك الأمريكي الذي سبق ودعم تنظيم قاعدة الجهاد، بل كان سببًا في نشأته أثناء الحرب الأفغانية، وسلوك واشنطن لم يكن شاذا بمعنى أنها اعتادت أن تفعل ذلك أو فعلته كثيرًا، عندما دعمت المقاتلين العرب أو المجاهدين العرب من قبل جهاز الاستخبارات الأمريكي ومن حرم هؤلاء كان تنظيم قاعدة الجهاد الذي تصدر الجهاد العالمي لفترة طويلة حتى خرج تنظيم داعش من رحم القاعدة، وتبدو علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بنشأة التنظيمات المتطرفة واضحة وجلية.
عودة لسلوك أمريكا الأخير في عقد صفقة سلام مع حركة طالبان، وكما يعلم القارئ الكريم أن هذه الحركة استضافت تنظيم قاعدة الجهاد لفترة طويلة هي مدة الصراع، وأنها لن تتخلى عن دعمه حتى بعد صفقة السلام مع واشنطن بدليل أن الحركة رفضت قديمًا تسليم أسامة بن لادن وها هي الآن ترفض تسليم أيمن الظواهري للقوات الأمريكية.
وهذا ما يؤكد ما توصلنا له بأن أمريكا فشلت في مواجهة الإرهاب أو أنها غير عازمة بشكل حقيقي في مواجهة جماعات العنف والتطرف لدرجة أنها عقدت صفقة سلام مع حركة طالبان المتطرفة، هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم مصالحها السياسية على أي مصالح أخرى بما فيها مواجهة الإرهاب رغم أهميته بعد تفشي هذه التنظيمات وزيادة خطرها شرقًا وغربًا.
حركة طالبان طيلة فترة الصراع نجحت في أسر قرابة 1000 شخص بحوزتها سواء كانوا موالين للحكومة الأفغانية أو موالين للقوات الأمريكية، أمريكا تتعهد برفع العقوبات عن حركة طالبان بعد لقاء يجمع أمريكا وأكبر تنظيم متطرف واجهته عبر أربعة عقود في 10 مارس من العام الجاري.
اتفاق الولايات المتحدة الأمريكية مع طالبان يدل على أنها لم تكن صادقة في نيتها القضاء على الإرهاب ولكن الأحرى أنها لم تكن عازمة للقضاء على الإرهاب أو أن لها أولويات أخرى بخلاف مواجهة الإرهاب، صورة قيادات طالبان في البيت الأبيض سوف تُذكرنا بصورة قيادات قاعدة الجهاد مع قادة أمريكا الأوائل وأجهزتها الأمنية قبل خمسين عامًا.. وللحديث بقية.