في حديث تليفزيونى قال زعيم تنظيم القاعدة «أسامة بن لادن»: «عندما تقاطعت مصالح التنظيم مع الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصًا خلال فترة محاربة السوفييت في أفغانستان تعاونا بقوة» مؤكدًا «أن التعاون مع الأمريكان وغيرهم وارد طالما أن مصالحنا مشتركة، ولنا مصلحة في هذا التعاون».
تذكرت هذه المقولة لأسامة بن لادن، عندما أشاد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، السبت الماضي، بالاتفاق الذى وقعته بلاده مع حركة طالبان الأفغانية، مؤكدا أنه سيجتمع بشكل شخصى مع قادة الحركة في المستقبل القريب».
تلك هى المصالح، بغض النظر عن الجهة التى يتم التعاون معها، فترامب مثله مثل بن لادن في المفاهيم، فتقاطع المصالح تجب كل شيء، ومصالح الآخرين وما يقع عليهم من ضرر لا تعنيه.
بل الأكثر من هذا فقد طلب ترامب، خلال مؤتمر صحفى في البيت الأبيض، السبت، من دول الجوار لجمهورية أفغانستان دعمه في موقفه من طالبان، التى كانت من ألد أعداء الولايات المتحدة، وأدرجت قادتها على قوائم الإرهاب، والمطلوبين، وقال ترامب نصًا «على دول الجوار لأفغانستان المساعدة في الحفاظ على الاستقرار».
مصلحة ترامب هنا ليست لصالح أفغانستان التى تشهد حربًا شبه أهلية، بين الحكومة المركزية، وحركة طالبان، التى دمرت أفغانستان، وتاريخ البلاد وتراثها وحضارتها، وأسالت دماء الملايين على مدى عقود، وكانت البوتقة التى احتضنت التخطيط لأحداث 11 سبتمبر الشهيرة.
ما يهم ترامب المُقبل على انتخابات رئاسية هو تقديم ورقة انتخابية للشعب الأمريكي، ويرغب من إبرام الاتفاق مع «طالبان» تمهيد الطريق لانسحاب القوات الأمريكية والأجنبية بشكل كامل، وإنهاء الحرب التى بدأتها واشنطن قبل 18 عامًا.
ففى بيان صادر عن البيت الأبيض، قال ترامب «إن اتفاق السلام مع طالبان يعمل على إنهاء أطول حرب خاضتها البلاد، وتعمل أمريكا على إعادة قواتها إلى الوطن».
وسعت الولايات المتحدة عبر اتصالات ولقاءات بعضها سري، والبعض الآخر علنى مع حركة طالبان، من أجل إخراج أرجل واشنطن، مع وحل ومستنقع الحرب الأفغانية، والذى فشلت الولايات المتحدة في تحقيق أى نصر فيه، بغض النظر عن تصفية أسامة بن لادن، وقادة آخرون من طالبان والقاعدة، ولكن في النهاية تبحث واشنطن، وترامب تحديدًا عن مخرج، وليس مهمًا على حساب من؟!، وكيف سيتم التعامل مع حملة السلاح من «طالبان»؟!، وما هى الضوابط الحاكمة لأمن أهل جمهورية أفغاسنان، والاستقرار فيها؟!، وهل سيشمل أى اتفاق «طالبان باكستان» أيضًا، أم ستظل الدماء تسير في عمليات لا تتوقف؟!.
حتما هذه الأسئلة وغيرها، لا تعنى ترامب والنظام الأمريكي، فالمهم عندهم، هو ما خرج به بيان رسمى السبت الماضي، وجاء في الأخبار عنه «وقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان اتفاقا يمهد الطريق نحو انسحاب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى من أفغانستان خلال 14 شهرًا، وإنهاء الحرب المستمرة منذ عقود».
وما يؤكد أن الاتفاق لم يشارك فيه بشكل مباشر أى طرف من أصحاب المصلحة الحقيقيين، والذى امتد الحوار حوله عام كامل، هو أن هناك من يرى أن الأفغان لديهم أمل في أن ينهى الاتفاق أربعة عقود من النزاعات المسلّحة ويفتح باب الحوار بين حكومة كابول، وحركة طالبان بهدف وضع حد للمعاناة في بلد أنهكه الفقر والجوع، والدمار.
توقيع الاتفاق في حد ذاته اعتراف أمريكى بحركة طالبان، والتى ظلت لسنوات طويلة، مرفوضة رسميًا من واشنطن، وأحد الأعداء اللدودين للأمريكيين، حيث وقع الاتفاق «زلماى خليل زاد» وهو المفاوض الأمريكي، ووقع معه الملا عبدالغنى برادر، نائب رئيس زعيم طالبان، ورئيس مكتب الحركة السياسي، كما شهد التوقيع «مايك بومبيو» وزير الخارجية الأمريكي، وممثلين عن عشرات الدول.
المؤكد أنه ليس هناك من يقف ضد أى سلام، أو استقرار الدول التى تشهد صراعات، ولكن من المهم أن يكون أصحاب المصلحة في القلب من أى تفاوض.
والمؤكد أن «اتفاق طالبان وواشنطن» لا يعنى بأى حال أنه اتفاق سلام بالمعنى الحقيقى للكلمة، نظرًا لأن السلطات الأفغانية الرسمية ليست طرفا فيه من بعيد أو قريب، ويقتصر فقط على تهيئة الأجواء أمام سحب كامل للجنود الأمريكيين على مدى 14 شهرًا، مع تخفيض عدد الجنود الأمريكان من 13 ألفًا إلى 8 آلاف و600 جندى في أول مرحلة لتنفيذ الاتفاق، وسيشمل السحب، القوات الأخرى لحلفاء واشنطن في أفغانستان.
في المجمل العام للقضية أن ما يعنى ترامب مصلحة بلاده، والتى كانت طرفًا في حرب الـ40 عامًا، ودعمت حركة طالبان، والقاعدة في الحرب ضد السوفييت بالمال والسلاح والتدريب، وبعد سنوات تحوّل الصديق «القاعدة وطالبان» إلى عدو، ودارت حرب طويلة عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، والتى راح ضحيتها 2996 قتيلًا، و25 ألف جريح، من الأمريكيين.
واحتلت القوات الأمريكية وحلفاؤها كابول، ودارت معارك طويلة، وكان ضحيتها الشعب الأفغانى نفسه، ليقع تحت طاحونة الفقر وتشريد أهله، وطرفا الحرب هما، حركة إرهابية تتمسك بالجبال والتطرف والرجعية الفكرية والتشدد إلى أقصى حد، وفى الجانب الآخر قوة أمريكية لا يهمها سوى قطع الطريق أمام الروس للانفراد بهذه المنطقة.
ومع تقاطع المصالح الخاصة جدًا، تتحول الحركة الإرهابية إلى صديق مرة أخرى، ويتم التوقيع على اتفاق ثنائى معها، بل يطلب الرئيس الأمريكى من دول الجوار الأفغانى دعمه في مسعاه، كما طلب من سبقوه دعهم في الحرب ضد ثنائى «القاعدة - طالبان».
أليست تلك مصالح أمريكا التى تدعى الصداقة عند تقاطع مصالحها مع الآخرين، والعداء أيضًا من أجل مصالحها.