الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العصـر الرقمي وعقول المستقبل (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يؤدى إضفاء الطابع الافتراضى إلى استبعاد ضرورة الاتصال البشرى المباشر، ويؤدى ذلك إلى نشأة جيل يفضل التعامل مع الآلة عن التعامل مع البشر. يظن جيل «إعادة التشغيل» أنه لو حدث خطأ ما فإنه فى إمكانهم دائمًا الضغط على زر والبدء من جديد أو إعادة الكرة. يحتاج الجيل الرقمى بيئات متخمة بالحواس البشرية والاستجابة الفورية وتوالى الإطراء والمديح والمكافأة. 
يعيش جيل الشاشة الآن وكل شىء عندهم «عظيم!»، على الرغم من أنهم قد يكونون أقل ثقافة ودراية بالرياضيات مقارنة بأسلافهم. جيل الشاشة عقله شديد الانتباه لسيل المعلومات المتدفقة والمتعددة، على الرغم من أن الانتباه والفهم لديهم قد يكون ضحلًا. جيل الشاشة يتسم عقله بالذكاء، لكن غالبًا ما يكون ثقافيًا جاهلًا بالمفهوم الواسع للثقافة. من هنا تأتى أهمية كتاب «عقول المستقبل: كيف يغير العصر الرقمى عقولنا، ولماذا نكترث، وما الذى فى وسعنا فعلة» من تأليف ريتشارد واطسون مؤلف كتاب «ملفات المستقبل»، الذى وصفه النقاد بأنه يشبه كتابات جول فيرن، ومؤسس مركز البصيرة الاستراتيجى، ونقله إلى العربية الخبير التربوى عبد الحميد محمد دابوه، والصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة بالقاهرة.
إن جيل الشاشة لديه ميل لأداء المهام وللتجهيز أو المعالجة المتوازنة. فى تقرير أوفكوم سنة 2010، وجد أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم فيما بين 16 و24 عامًا يقضون 5-6 ساعات فى اليوم أمام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى، ووجد التقرير أن 29% من هذا الوقت يقومون فيه بمهام متعددة حتى يمكنهم ضغط أنشطة من المفترض ممارستها فى 9:5 ساعات إلى 6:5 ساعات فقط، يمكنك أن تدرس وأنت على فيس بوك، وتشاهد التليفزيون، وتجرى مكالمة بالهاتف المحمول من خلال سماعة الأذن، لكن هل يدخل أى شىء مما يحدث عقلك؟
يورد الأكاديمى والمؤلف «مارك باورلين» مقولة لطالب أمريكى، حيث يقول: «لا أستطيع أن أركز فى واجباتى المنزلية دون تشغيل التليفزيون لأن الصمت يدفعنى للجنون». قارن هذا بدراسة قامت بها جامعة كاليفورنيا فى لوس أنجلوس، والتى وجدت أن التعددية فى المهام لها تأثير معاكس على التعلم. ويقول: «راسل بولدراك» المؤلف المساعد لهذه الدراسة «إن التعلم أقل مرونة وأكثر تخصصًا، لذلك لا يمكنك أن تسترد أو تسترجع المعلومات بسهولة... وترغمك عوامل التشتت على قلة الانتباه لما تقوم به من عمل، لذلك فإنك لا تتعلم بالقدر الجيد المكافئ، عما إذا أبديت انتباهًا كاملًا». 
اكتشف العلماء باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسى الوظيفى أن التحول الثابت والمستمر من نشاط إلى آخر يؤدى بشكل فعال إلى تدمير بعض من الوظائف العليا للمخ، خاصة تلك التى تتعلق بالذاكرة والتعلم. فى الغالب يمكننا أن نتعامل مع مهمتين أو تناول شيئين فقط فى آن واحد، ولكننا لا نستطيع أن نتذكر ما قمنا بعمله ولا كيف نفذناه ولا السبب فى عمل ذلك. تشير بعض الدراسات إلى أن تعددية الوظائف تزيد من إفراز الهرمونات ذات الصلة بالإجهاد مثل الإدرنالين والكورتزون، مما يتسبب فى الشيخوخة المبكرة من خلال ما يطلق عليه الاحتكاك البيوكيميائى. 
وفى بحث أجراه «أيل أوفير» وآخرون من جامعة ستانفورد، توصلوا إلى أن الطلاب الذين يسند إليهم وظائف متعددة مجهدة يستغرقون وقتًا أطول فى الاستجابة لتلك المهام مقارنة بمن تسند إليهم المهام الأخف، وأكثر من ذلك فهم يرتكبون أيضًا أخطاء كثيرة. أما الجانب الإيجابى لهؤلاء الأشخاص الذين يسند إليهم مهام متعددة هو أنهم يتسمون بسرعة البديهة، والتقاط ولمح المعلومات الجديدة، ويحسنون رصد هذه الأفكار الجديدة. ويبقى الجانب السلبى لديهم متمثلًا فى عدم قدرتهم على التركيز فيما يقومون به، لذلك فهم يتسمون، إلى حد ما، بالطيش والهشاشة. 
كيف يتغير استيعاب الشباب للمعلومات بسرعة وبشكل جذرى. الآن ترفض بشكل عام وسائل الإعلام الوسائل السلبية مثل الكتب والجرائد، وتفضل عنها الوسائل التفاعلية. والأفضل مثاليًا، وسائل الإعلام التى يمكن المشاركة فى صنعها والتى يمكن التحكم فيها. ومع ذلك، لو أننا شخصنا كل شىء ففى النهاية لن يتبقى لدينا خبرات مشتركة.
يعيش الأطفال الصغار كثيرًا جدًا فى «هنا» وفى «الآن»؛ فكل من الماضى والمستقبل بعيدين جدًا عنهم. إحدى النتائج المحتملة لهذا هى تناقص الاستحسان والتقدير تجاه الكتب الورقية الملموسة كأعمال فنية تاريخية – أو تقديرًا لقيمة الناس الأكبر سنًا لأنهم يمثلون سجلًا تاريخيًا للتفكير المجتمعى، معظمها غير متاح على جوجل. 
القراءة خاصة قراءة الأعمال الأدبية للمتعة وقضاء الوقت كانت فى تراجع لعشرات من السنين فى معظم البلدان. وهذه مسألة خطيرة؛ لأن القراءة لها تأثير مباشر على الذكاء والتحصيل. مثال ذلك، التقرير الذى أعده «كايرز» فى الولايات وأطلق عليه «الجيل M»، وجد أن القراءة للترفيه من أى نوع تتفق بشكل وثيق مع الصف الدراسى للطالب أكثر من وسيلة إعلامية أخرى». 
وللحديث بقية..