كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رمزًا للوفاء، حقق الكثير والكثير للطبقة الوسطى ومحدودى الدخل والعمال والفلاحين والغلابة، حقق نهضة صناعية وثقافية واجتماعية، وبِحُكِم انتمائه للمؤسسة العسكرية كان مُخلصًا للقوات المسلحة وللشعب المصرى فـ«الإخلاص» هو السمة الكبرى للمؤسسة العسكرية ويتوارثها أبناؤها جيلًا بعد جيل، من مِنا لا يتذكر الجملة الشهيرة للرئيس الراحل أنور السادات أمام مجلس الشعب بعد نصر أكتوبر مباشرة حينما قال: إن الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وباسم هذا الشعب وباسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة، ثقتنا في قياداتها التى خططت، وثقتنا في شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم، إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف إنه قد أصبح له «درع وسيف»، فهذه الجملة «فهمناها وتعلمناها وحفظناها ودخلت قلوبنا ولن تخرج بإذن الله»، لأننا نحب الجيش، وهذا الحب بلا حدود وهذا الجيش فوق الرأس ومُقدر بلا حدود.
خرجنا من نصر أكتوبر مرفوعى الرأس، فخورين بجيشنا، واثقين في جيشنا وقياداته وضباطه وجنوده، وأطلق بعض أبناء الشعب المصرى اسم «نصر» على أطفاله الذين وُلدوا في عام ١٩٧٣، وفاءً للانتصار العظيم الذى حققته القوات المسلحة، خرجنا من نصر أكتوبر ونحن مُعتزون بمصريتنا ومخلصون لتراب مصر وعاشقون للتضحية والفداء وهى سمات تعلمناها من قواتنا المسلحة وسنُعلمها أولادنا وأحفادنا.
ظل الرئيس الراحل حسنى مبارك لمدة ٣٠ عامًا حريصًا في جميع خطاباته على تقديم التحية للقوات المسلحة في جميع المناسبات الوطنية، تقديرًا منه لدورها وإخلاصها وجهودها ومكانتها لدى الشعب، لهذا فإخلاص القوات المسلحة نابع من تاريخها العسكرى وعقيدتها الوطنية ووطنيتها على مر السنين وتضحيات أبنائها التى لا تنتهى من أجل الحفاظ على الدولة والتصدى لمحاولات إسقاطها وعدم السماح لتهديد أمنها.
إخلاص القوات المسلحة للوطن لا يحتاج لإثبات، فمن يرى بعينه يُدرك تمامًا حجم الإخلاص المُتناهى، من يرى المشروعات القومية الكبرى التى تقوم بها، سواء المشروعات التى تنفذها الهيئة الهندسية أو جهاز الخدمة الوطنية سيُدرك جيدًا إخلاص هذه المؤسسة المحترمة للوطن، ومن يرى تكريم القوات المسلحة لأبنائها الذين حاربوا وساهموا في رفعه الوطن والحفاظ على ترابه سيعرف أن هذا الوطن لديه عمود خيمة يحفظ أمنه واستقراره، فالقوات المسلحة لا تترك أولادها، من يرى مؤازرتها أبنائها الذين ضحوا واستشهدوا وعدم نسيانهم وتخليد أسمائهم بأحرف من نور سيعلم معنى الوفاء والتضحية والفداء وهى ليست صفات حميدة فقط، بل قيم ومبادئ تُرسخها القوات المسلحة على مر العصور وتتوارثها الأجيال.
إخلاص القوات المسلحة للوطن لا يحتاج لدليل أكثر من ثقتنا وتقديرنا واحترامنا وتوقيرنا وتعظيمنا للبدلة العسكرية وحبنا لمن أعادوا الأرض وحققوا النصر العظيم واستعادوا الهيبة الوطنية وحافظوا على وحدة الوطن وسلامة أراضيه في أحلك الفترات وفى أصعب الظروف.
القوات المسلحة نِعمة نحمد الله عليها، وندعو الله أن يُديمها علينا، الشعب المصرى يتفاخر بها، ويتباهى بتطويرها وبتسليحها بأحدث الأسلحة وبترتيبها المُتقدم بين أفضل الجيوش في العالم، فالمصريون يعتزون بأدائهم الخدمة العسكرية ولا يملون من سرد الحكايات والروايات عن فترة خدمتهم العسكرية ومع زملائهم في الخدمة العسكرية
(مصر) الله حافظها، والجيش حاميها، وستظل هكذا ليوم الدين، وفى كل أزمة تتعرض لها يكون الحل لدى القوات المسلحة، فهى «البوصلة» للطريق الصحيح لما لديها من رؤية وطنية خالصة للحفاظ على الوطن، فهى- بعد الله- الظهر والسند للشعب والقلب النابض للدولة والأمينة على مُقدراته والمحافظة على كيانه كُنا منذ ١٠ سنوات في حالة رعب من الأوضاع التى آلت إليها البلاد، الخوف ملأ قلوبنا، القلق سيطر علينا، تفكيرنا كله كان مُنصبا على الإجابة عن السؤال الصعب الذى كان يتردد على ألسنتنا جميعًا: مصر رايحة على فين؟، كان هذا السؤال مُرعبا بالنسبة لنا، لا نجد له إجابة، أصابتنا الحيرة وسيطر علينا التشاؤم، تشاؤم من المجهول الذى ينتظرنا، لكن كل هذه الحيرة وكل هذا التشاؤم يتحول في لحظة إلى ثقة وتفاؤل وأمل في المستقبل حينما نقول: الجيش موجود، نقول هذه الجملة ونحن نأخذ «نفسا عميقا» ليجرى في صدورنا الأمل في غـدًا أفضل، فالسند وقت الشدة معروف، واللجوء إليه هو أسرع الحلول وأأمنها وأنجحها وقد كانت القوات المسلحة على قدر ثقتنا فيها وحمت مصر من أكبر مخطط لتفتيتها في التاريخ، مُخطط له بعناية فائقة.
نحمد الله أن قواتنا المسلحة عقيدتها وطنية ولم تكن يومًا إلا مِلِك الشعب، تنبُض بما ينبضُ به الشعب، تتألم لألمه، وتحافظ على بقاء مصر في ظل عالم ملىء بالمُتغيرات والمطبات التى تُوقع بالدول ونحمد الله أنها شريفة وستظل شريفة وتتعامل بشرف وتحمل في أعناقها مهمة حماية الوطن بكل عِزة وشرف هنا تحضرنى كلمات رائعة قالها الشيخ الحبيب على الجفرى في إحدى الندوات التثقيفية للقوات المسلحة حينما قال نصًا: (والله الذى لا إله إلا هو، إن الغبار الذى على حذاء أو بيادة أصغر مجند في الجيش المصرى امتزج بقطرات دمه على أرض سيناء الطاهرة، لهو أطهر وأشرف وأنقى من كل الألسنة والقلوب المريضة التى تنال منه).