الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بكينا منه.. الآن نبكي عليه!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«إنها عادتنا.. لا نشتريها!»
نحن شعب طيب!. تجمعنا الأحزان، أكثر من الأفراح، وفى العزاءات يلتقى الأعداء بالأحضان «الصلح خير»، ونذرف الدموع مجاملة، ونلتقط الصور مع أهل الفقيد، ننسى ما ارتكب وما جرى وما فعل، نترحم عليه ونطلب المغفرة، هذا هو الواجب.. وهذه هى الأصول..!
اذكروا محاسن موتاكم!
نحن شعب طيب، قد نغضب من الأحياء، ولكننا لا نكره الأموات، هذه هى عاداتنا.. ولا نشتريها!. 
نحن من لعنَّا عبدالناصر بعد هزيمة 67، رفضنا تنحيه، ثم كتبنا فيه القصائد بعد رحيله ووسط الانكسار والانهيار والحطام قلنا بالدموع «قتلناك يا آخر الأنبياء»!.
ونحن من سخرنا من السادات بعد انفتاح السداح مداح، ومن هاجمناه بعد كامب ديفيد، ثم ترحمنا على «إنجازاته» وتغزلنا في «عمق بصيرته» بعد موت عملية السلام!.
نحن شعب المبالغات وتطرف المشاعر!..
ولا تفهم بالضبط أى بوصلة توجهنا وأى حدث يحرك مشاعرنا، وأى موقف يجعل الدم يغلى في عروقنا.. ونحن الذين احتار فينا التاريخ.. متى نصمت ومتى نستسلم، ومتى نغضب وننتفض ونزلزل الأرض ويخرج منا المعدن الأصلى أعظم ما فينا!
وها هى وفاة مبارك جاءت لتربكنا وتشوش علينا، تصدم البعض بحقيقة الموت المفزعة، وتجعل البعض الآخر يراجعون أنفسهم، ويتخبطون فجأة في ضباب أعمى أعينهم عن 30 عاما حكم فيها هذا الرجل البلد، ترى.. هل أنقذها أم أغرقها، جمدها، أفسدها، أفقرها أم أغناها، حجّبها أم فتحها على العالم، تركها فريسة للتطرف تغلى بالطائفية أم واحة للأمن والاستقرار؟!..
واكتشفنا مرة أخرى أننا ساقطون في الحساب، وفشلة في التاريخ، وأننا لا نملك غير جغرافيا قاحلة نتمدد فوقها، نرغى ونهري، ونلوك النميمة، نتسلى أحيانًا بمرتضى ومحمد رمضان، وبعدها نتباكى على الأخلاق الضائعة.. ثم ننام أخيرًا ونحن نحتضن موبايلاتنا ودموع التماسيح تغرق السوشيال ميديا.. «الله يرحمه كان رجل طيب»!
وفجأة يختلط الحابل بالنابل، وتشعر وكأنك أمام بشر فقدوا ذاكرتهم، أو ربما هى عادت إليهم فجأة بعد تسع سنوات!! ولا تفهم بالضبط، ماذا حدث إذن في 25 يناير، و11 فبراير 2011؟.. ولا من كان السبب اختطاف الإخوان للبلد وللسلطة، ولا لماذا خرج الشعب عليهم وأطاح بهم في 30 يونيو 2013؟!
الله يرحمه.. نعم.. «هذه هى أخلاق المصريين، أصالتهم وروحهم الطيبة».. ولكن رحم الله أيضا نجيب محفوظ الذى قالها: 
آفة حارتنا النسيان!
إن أصعب ما نفعله دائمًا في لحظات «الارتباك التاريخي» هو أن نقارن عصرا بعصر، زمنا بزمن، ورجالا برجال، والمشكلة هنا أننا نكتفى بالنظره الساذجة المسطحة، وننسى أن لكل زمن ظروفه وأحداثه ورجاله، ولعل من أكثر ما تسمعه سذاجة من بعض الناس هذه الأيام من يقول لك: «لقد كان عصره هو الأمن والاستقرار الذى لم ننعم به إلا معه»! أو «كانت الأسعار أرخص»، و«الحرية أوسع» أو أن.. الأحزاب كانت تصول وتجول والإعلام يطنطن حتى الفجر سبًا وهجومًا»..!..
ولهؤلاء جميعا، نسألهم: ثم ماذا حدث؟!.. أى تغيير طرأ؟! أى إصلاح جرى في أى مجال؟!.. تعليم وصحة، وبطالة وتطرف، وفتنة طائفية، وإخوان وسلفيين يحتلون القرى والنجوع وحوارى مصر والبرلمان والإعلام، بل ويسيطرون على عقل ومفاصل الدولة!
نعم، الله يرحمه. «كان جنديا مصريا وابنًا بارًا حافظ على أرضه، ولم يفرط في حبة من رمالها».. 
ولكن.. ثلاثون عاما في حكم بلد عظيم، ما زالت تستحق حسابًا عسيرًا من التاريخ، وتقييمًا حقيقيًا من الجيل الذى ورث التركة وما زال حتى الآن يعانى من أثارها!
إن مبارك، لم يكن شيطانا ولا ملاكًا، بهذا التبسيط الساذج لن يعطى أحد للرجل مكانه الذى يستحقه في التاريخ، وهو الآن في ذمة الله، وبعد أن رحل إلى بارئه.. يجب أن نواجه نحن أنفسنا بصدق، ونحاول الإجابة عن السؤال: لماذا كان من يبكون أيامه.. يتباكون اليوم عليه؟!