الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بدل السكوت..أمريكا.. الصورة الزائفة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كنت هناك أتلصص خلف نافذة الشرقي المعتم.. أشاهد بحسرة، وأرصد بغيرة، وأعقد مقارنات باطلة ظالمة بين بلادي وتلك البلاد البعيدة التي يسمونها أرض الأحلام.
كنت أرى أمريكا وطنًا أخضر للعصافير، وبلدًا متسعًا للحريات، وسماء مفتوحة لهواة التحليق والباحثين عن النجاح.
في أول زيارة لي إلى أرض العم سام قبل ستة أعوام، كانت نظافة الأرصفة وبسمات الوجوه تغازلني، وتدهشني، وتبث في نفسي يقينًا بأن الجمال والنجاح والتحضر احتشد واستوطن هذه البلاد التي نكرهها ونلعنها صباح مساء، ونحرق أعلامها ونهتف بسقوطها في المظاهرات، لكننا نعبدها سرًّا ونغار من حسنها.
تعددت زياراتي وتعمقت نظرتي، وتغيرت الصورة شيئًا فشيئًا، فلم أعد أشعر بأي انبهار. عند زيارتي الأخيرة قبل أيام التقيتها، ذات العقل المشاغب، والعين الناقدة. فتاة أمريكية من أصل مصري، لم تزر القاهرة، ولم تعرفها إلا في أفلام السينما ومسلسلات الثمانينيات.
قالت لي الفتاة إن أمريكا دولة مغطاة بمساحيق تجميل كاذبة. لا حرية حقيقية، ولا مساواة، ولا تكافل، ولا محبة ولا ود، ولا تماسك أسريًّا، ولا تراحم. وحتى صورة الديمقراطية المصدرة إلينا صورة مزورة قائمة على رءوس أموال الشركات الكبرى التي تدفع لتمويل دعاية المرشحين المختلفين.
قالت لي أيضًا إن كافة العلاقات محكومة بماديات ومصالح وأنظمة تجعل جميع الناس مجرد تروس في ماكينة دائرة. هناك مجاملات متنوعة، وهناك مشروعات اجتماعية، وهناك أعمال خيرية، لكنَّ هناك أيضًا كثيرًا من المظهرية ومحاولات التجميل والتلوين. وهناك خيوط جافة من الروابط، وبرود، ورسميات في العلاقات الاجتماعية.
وقالت الفتاة الأمريكية التي تدرس العلوم السياسية: خذوا حياتنا وتقدمنا وأقنعتنا وجمالنا الصناعي وأعطوني لحظة محبة وصفاء ونقاء. خذوا جبروت القوة والسطوة وامنحونا المودة والسلام والتراحم. هنا الجميع يكذبون على بعضهم البعض. ادعاءات وتمثيليات وخداع ولا صدق في معظم ما ينشر ويذاع إلا ما ندر. إنكم تتصورون أن هنا الجنة، والحقيقة أن غضب المصريين من مصر كان بسبب أداء الحكام القاهر الظالم الذي انعكس على كل شيء.
قلت للفتاة: لكنكم تنعمون بالحرية!
قالت: لا تصدق أن هذا حقيقي. لو خرجت إلى الشارع لتقول إن السياسة الأمريكية خاضعة للوبي المال والإعلام الصهيوني لتعرضت لكثير من المشكلات.
وأوباما نفسه، صنيعة شركات الإعلام الكبرى.. لقد وجدوا أن صورة أمريكا تحتاج إلى تغيير بعد رئاسة بوش التي زادت من حالة الكراهية تجاه الولايات المتحدة في العالم، ووجدوا في تصعيد شاب أسود من أصول إفريقية لرئاسة الدولة فرصة لتحسين صورتها في العالم، لكن ما زالت السياسات كما هي لم تتغير.
ودعتها وأنا أتذكر قصيدة درويش الرائعة التي يقول فيها: “,”للحقيقة وجهان، والثلج أسود فوق مدينتنا“,”.
[email protected]