تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
في مقالى السابق عن أدب الطفل الأفريقي تعرفنا على ملمح من ملامح هذا الأدب، وهو التناغم والتواشج بين الإنسان والحيوان والطيور التى تعيش في مكان واحد وزمان واحد، وأن الطائر مثلا لا يوجد في القصة بصفته طائرا وإنما له دور فاعل يتحدث ويحاور غيره من الكائنات من حوله سواء من بنى جنسه أم من الحيوانات أو الإنسان ذاته. واليوم نتعرف ملمحا آخر، وهو استفادته من الحكايات الشعبية والتراث الجمعى والخبرات الاجتماعية والصور المركزية وتحولات الحياة والمصائر الفردية والفكاهة والسخرية، والمرأة. وهى هنا بطلة الحكاية، واحدة تقدم بصورة سلبية توضح عاقبة العناد الذى يورث الهلاك والثانية توضح إرادة المرأة وقوتها حينما تريد أن تحقق هدفا ما تجاه من تحب ومن تهتم به في حياتها العائلية نرى النموذج الأول في قصة «العكس» التى ترجمتها وهى قصة إثيوبية، نلتقى برجل وزوجته التى تفعل وتقول دائما عكس ما يريد أو يطلب، يقول الرجل، سنبنى بيتا من الخشب فوق التل، فتقول المرأة لا من الحجر، وجوار النهر، يقول سنربى بطا، فترد: لا دجاجا، يريد طعاما، فتعطيه ماء، يقترح زيارة أبيه، فتصطحبه لأمها، يزوره أصدقاء، وفى غمرة الانتشاء باللقاء يطلب الرقص، لكنها تعترض قائلة، لا سنحكى حكايات.... وهكذا، هى المرأة الضد التى تعكس الأقوال والأفعال دائما، لا عن عند وكيد كما يبدو من سياق الحكي، ولكن عن طبيعة عكسية، تتكون رغباتها وتصدر كلماتها نقيضا للآخر وتضادا - يكاد أن يكون غريزيا - لصاحبها في المنزل وشريكها في الحياة.
وفى يوم ذهبا لزيارة صديق، وأثناء العودة، تهب عواصف وأمطار، يتسع النهر وتجرف المياه كل شيء: الأشجار والأحجار والطريق، قال الزوج محتاطا: عبور النهر الآن ليس آمنا، سنبقى حتى تنحسر المياه، لكنها اعترضت وفق عادتها في الكلام المضاد، ليس فقط للزوج ولكن للطبيعة ذاتها، فالنهر هادئ والمياه منحسرة والعبور آمن، هكذا تجاهلت ما تراه من ظواهر الطبيعة الغاضبة والخطرة، وكأن تكوينها القائم على الكلام الضد والفعل العكسى،الذى يتبدى في اعتراض دائم وجذرى مع الطبيعة والعالم وغير مقتصر على رجل أو علاقة أو حدث يومي. وبالفعل لم تستجب لتحذيراته واختارت طريقا عكسية للعودة وهكذا غمرتها المياه وذهبت عميقا في القاع. النموذج الآخر الايجابى للمرأة السياق قصة ثانية تعطى العبرة والعظة من خلال ذكاء العراف في إعطاء المرأة درسا في قوة الإرادة الإنسانية وقوة المرأة وقدرتها على تحقيق ما تريد، قصة «إن المعروف لا يضيع» التى تحكى عن امرأة لا تحب شيئا أكثر من أن تسيطر على زوجها، وفى أحد الأيام خطر على بالها أن تذهب إلى أحد العرافين، وفعلا ذهبت إلى أحد العرافين وجلست إليه، ثم قالت له: أريد أن تعطينى شيئا أستطيع أن أسيطر به على زوجي، بحيث لا يستطيع أن يرفض لى طلبا، فقال لها العراف: أستطيع أن أساعدك حقيقة ولكن يجب أن تحضرى لى لبن بقرة وحشية لأنه من مكونات الدواء، فكرت كثيرا ثم سألت العراف عن كيفية الحصول على لبن البقرة الوحشية، فقال لها: الأمر متروك لك، إنما المهم أن تحضرى هذا اللبن، فامتثلت لما يريد وذهبت الغابة، واستخدمت ذكاءها في التعامل مع البقرة حتى حدث نوع من الألفة بينهما وأكلت من يدها وبعد فترة سمحت لها البقرة أن تحلبها. وعندما وصلت إلى البيت أخذت الإناء المملوء باللبن وذهبت به إلى العراف الذى سألها عن كيفية حصولها على اللبن، فقالت له: الاحترام والإحسان والعشرة الطيبة هم أسباب حصولى على اللبن، فقال العراف: حسنا إذا جربت هذا الأسلوب الذى حصلت به على لبن البقرة الوحشية مع زوجك فستسيطرين عليه، وإذا كنت قد سيطرت على البقرة الوحشية بهذه الأشياء، فما بالك بزوجك الذى هو إنسان وليس وحشيا. النموذج الأخير الذى أسوقه هنا هو هذا الحس الساخر والكوميديا.
قصة «حساء الحساء» وتحكى عن صاحبين «أرها ونيكل»، اصطاد أحدهما أرنبا وذهب به إلى منزل صديقه طالبا أن تطبخه الزوجة، فطبخته، وأكلا معا لحم الأرنب في الغد، جاء رجل إلى أرها وأخبره أنه صديق «نيكل» الذى أحضر الأرنب فرحب به وتعشيا حساء الأرنب، وفى اليوم الثالث، جاء رجل آخر وقال إنه صديق صديق «نيكل»، وكعادته استبقاه أرها وقدم له شرابا مصنوعا من الماء مع ما تبقى من حساء الأرنب، وهكذا باحتساء ماء ساخن هو حساء حساء حساء الأرنب.
هو بهذه اللقطة الموحية والدالة أكون قد رصدت من خلال السياقات الفكرية والتربوية بعض الملامح لأدب الطفل الأفريقي.