تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير.
ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراع علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا في أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا - دائمًا - كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عامًا من الأخلاق.
الواقع - الآن - في عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدى التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمه وعقلها وصانع مستقبلها.
............................................
العلاقات الروسية الفرنسية تلتهب وتتصارع أيهما يصد زحف الجيش المصرى
جاءت ملامح القوات الروسية إلى المياه التركية بالبوسفور في 19 فبراير الأمر الذى أزعج انجلترا وفرنسا للغاية حيث طالبا السلطان بسحب طلبه بدعم روسيا له، ووصل أسطول الأميرال روسين الفرنساوى إلى الدردنيل في اليوم التالى لوصول الأسطول الروسى وكاتب السلطان التركى بأنه متواجد بالدردنيل لحماية تركيا من الجيش المصرى حال سحب روسيا أسطولها من مياه البوسفور وعلل في كتابه أن وجود الأسطول الروسى يذهب ملامح الاستقلال عن تركيا، كما أنه يعنى استغناء تركيا عن الدعم الفرنسى والإنجليزي، واستغل السلطان التركى الموقف وأوفد رسوله الأمين ريس أفندى إلى الأميرال روسين الفرنساوى ليجعله وسيطا بين الأتراك والمصريين على شرط جلاء الجيش المصرى عن قونية مقابل تنازل السلطان التركى عن ولاية عكا وطرابلس والقدس ونابلس وتلك معظم ولايات الشام عدا دمشق وحمص وحماة، وأكد الرسول أن الزيادة عن تلك الولايات بغيرها غير ممكن حتى لا تضيع السلطنة العثمانية أمام الغزو المصرى، وبالفعل نجح ريس أفندى إقناع فرنسا بالوساطة لكن مبعوثها الأميرال روسين رفض الوساطة إلا بجلاء الأسطول الروسى عن البوسفور وكامل المياه التركية، وتنبه الأميرال روسين إلى عدم تنازل تركيا لمصر عن دمشق وهى الولاية الأهم في الشام حتى لا تضعف السيطرة الدينية لتركيا على الشام والعرب، كما أن ريس أفندى لم يأت بخبر تنازل سلطانه عن أدنة التى طلب قائد الجيش المصرى ضمها إلى ولاية مصر لاستقرار حصول مصر على أخشاب أشجارها الصالحة لبناء سفن الأسطول المصرى ولذات السبب تمسكت تركيا بولايتها على أدنة، واستجاب السلطان لطلب فرنسا بسحب الأسطول الروسى، وبالفعل وقع ريس أفندى والأميرال روسين اتفاقا في 21 فبراير يضمن بقاء السيطرة التركية على معظم الشام خوفا من استفحال قوة الجيش المصرى وربما كان هذا الاتفاق بدايات توحد الصف الأوروبى ضد مصر لا لمصلحة تركيا بل للحفاظ على الإرث التركى من أن تقتنصه القوة المصرية الصاعدة ويتلهف البقية منه القيصر الروسى الذى يحلم بتوسعات أوروبية على حساب رجل أوروبا الضعيف (تركيا).
وكتب الأميرال روسين إلى قائد الجيش المصرى ووالى مصر كتابين يطلب من الأول انسحاب قواته عن هجومها على تركيا، وعليه أن يقبل الشروط التركية ويزعن لها دون تفاوض، وأنه لا يمكن تغير أى شىء في بنود تلك الشروط، وأن يعتبر الصلح أمرًا مسلمًا به، وعليه إيقاف القتال، وطلب الأميرال الفرنسى من والى مصر أن يستدعى جيشه من حدود تركيا: «لأن الاعتدال صار لازما لك، والإصرار على مطالبك يوقع عليك مصائب إذا زادت جزعت لها، ففرنسا تتمسك بالعهود التى أنا قطعتها وهى تملك القوة وأنا ضمين إرادتها «وهنا يتحول الحليف الفرنسى من دور الصديق إلى المُهدد والمُتوعد لمحمد على لا لمصلحته فقط بل لبقائه وخلاصه وإنقاذه»!
وجاء الدور على سلطان تركيا بعدما أنقذته العناية الفرنسية من مخالب الجيش المصرى وهنا وجل عليه تقديم الشكر إلى قيصر روسيا عبر سفيره في تركيا تنفيذا لشروط فرنسا بسحب طلب المساعدة الروسية ضد الجيش المصرى.
وظن الأميرال الفرنسى النجاح في مهمته عندما يلوح بقوة فرنسا أمام روسيا وتركيا ومصر، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهيه سفن الأسطول الفرنسى، فقد أسر سلطان تركيا إلى سفير روسيا بتحرك أسطوله قليلا خارج المياه التركية انتظارا لوصول القوات البرية الروسية لمقابلة الجيش المصرى الذى يعلم عن قائده أنه لن ينسحب فبل أن يحقق أهدافه ولن يرضخ لتهديدات فرنسا، وبالفعل صدق حدثه حيث رفض كل من والى مصر وقائد جيشه تهديدات فرنسا الجوفاء، وأغضبت والى مصر لهجة التكبر والوعيد التى تفوح منها رياح الشر في كتاب فرنسا لمصر فلم يصدر أوامره لجيشه بالانسحاب من أمام الحدود التركية، وأيضا أزعج قيصر روسيا الصلف الفرنسية حتى أنه استدعى السفير الفرنسى في روسيا موجها رسالته إلى إمبراطور فرنسا: «إذا أرادت فرنسا منازلتى وقتالى فأنا مستعد، ولا أسمح أن تحل مسألة من مشكلات الشرق دون مشاركتى، لأنى أقرب الدول إلى الشرق، والشرق يهمنى، ويكفى محمد على أن تكون حدوده جبال طرطوس».
وفى التالى إن شاء الله سنوالى استعراض خلاف الأميرال روسين مع دولته، وعناد قيصر روسيا ضد أوروبا.