تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
عندما تسمعه تأتى كلماته وكأنها تواشيح في مسجد، وتترامى إلى مسامعك كأنها ترانيم في كنيسة، وعندما تنصت أكثر لها تشعر بمصرية تفاصيلها، وتعبر عن الصعيد وبحري، وعن كل بقعة في أرض المحروسة.
عالم في مجاله، وفليسوف ومفكر في رؤيته، وأفكاره، دقيق في ألفاظه، كل كلمة لها معناها، الوطن والعلم كل همومه، الناس وصوت الفقراء والمطحونين أصحاب المكانه الأولى في قلبه.
إنه «الحكيم» السير البروفيسور الدكتور مجدى يعقوب، إذا اقتربت منه تشعر بأنك تعرفه منذ سنوات، نبت مصرى وإنسانى بأخلاق الأرض الطيبة، لا تعنيه الأسماء والأجناس والديانات، بل كل ما يعنيه الإنسان وحياته، وهب نفسه لعلاج الفقراء، وكل من يحتاج العلاج، وكل من بقلبه عِلة، وضاقت عليه الدنيا.
حضنه يتسع للجميع، لم يرد سائلًا، ولم يرفض مريضًا، بعكس مراكز ومستشفيات ملأت الدنيا ضجيجا، واستحوذ القائمون عليها على أموال المتبرعين، بينما صاحبنا وهب نفسه للفقراء، وترى في عينيه صرخات الأطفال الموجوعين، وتسمع فيه ومنه آهات وأنفاس الذين ضاق صدرهم بسبب الأمراض.
سير يعقوب لمن لا يعرف جاب العالم شرقا وغربا، وخصوصا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا لعلاج الأطفال الذى ولدوا بتشوهات خلقية في قلوبهم ولديهم حمى روماتيزمية، وكان له دور فاعل في إقناع أطباء في أنحاء العالم ليقوموا بهذه المهمة، وخصصوا أيامًا من عمرهم في كل عام للقيام بإجراء جراحات لمرضى القلب من فقراء العالم، وحققت هذه المبادرة نجاحات كبيرة في علاج مئات الأطفال من بقاع الأرض والبلدان الفقيرة حول العالم.
مجدى يعقوب ليس مجرد طبيب، بل ملاك في ثوب إنسان، منذ تخرج في كلية الطب عام 1957، أى قبل ما يقرب من 63 عامًا، وسافر إلى بريطانيا لينال درجة الزمالة بعد عامين، ويصبح واحدًا من أشهر أطباء جراحة القلب في العالم، ونال لقب «سير» من ملكلة بريطانيا.
كان من الممكن أن يظل «سير» مجدى يعقوب كما كل البشر، خصوصًا بعدما تقدمت به سنه، واقترب من التسعين، بعيدًا عن كل الناس، ليحيا حياة الأغنياء، ويرتاح، إلا أنه قرر، وعن رضى قلب، أن يظل في خدمة البشر والبشرية، فجاء بمشروعه الأول مستشفى مجدى يعقوب في أسوان والذى انطلق في 2008، وأصبح واحدًا من أهم مراكز جراحة القلب في العالم، خصوصًا المرضى من الأطفال.
من تعبيرات يعقوب التى تحمل الكثير من الدلالات قوله: «يجب أن تعرف الناس، إنهم يمتلكون مركز أسوان ويمتلكون العاملين فيه» تعبير مهم بعيد عن حالة النرجسية التى يتقمصها البعض، بينما عند يعقوب ابن الريف المصري، والمولود في بحري، ومن أصل صعيدي، أن الإنسانية عنده أولا وأخيرًا، واستحق عن جدارة أن يحمل لقب «ملك القلوب»، ففى بريطانيا وحدها أجرى 20 ألف جراحة قلب، ومن مقولاته «من يتبرع بطوبة هو مالك لمركز القلب».
إنسانية يعقوب تجسدت في تقديم الخدمات للمرضى دون ضجيج، أو نرجسية، وإنسانيته هى التى نجحت في تجميع مئات الأطباء ليعالجوا الفقراء في الدول النامية، وفى مركز القلب في أسوان، وإنسانيته أيضا هى التى جمعت الناس حوله في تأسيس مركز جراحة قلب جديد في القاهرة، بمدينة 6 أكتوبر، ليقدم للإنسانية خدمة طبية لكل من يحتاج العلاج، ولمن لا يعلم، فإن مشروعات إنسانية يعقوب، تمتد حاليا لمراكز في «جامايكا»، و«رواندا»، و«موزمبيق»، وغيرها.
واحتفالية دبى كانت الإنسانية هى سمتها العليا، فقد تم مُنح دكتور يعقوب وشاح محمد بن راشد آل مكتوم للعمل الإنسانى عن جهوده في العمل الخيرى والإنسانى وإنجازاته الطبية والعلمية التى منحت على مدى أكثر من 50 عامًا الأمل والحياة للملايين من المرضى حول العالم، ويضاف الوشاح إلى قلادة النيل التى نالها مجدى يعقوب من الرئيس الأسبق حسنى مبارك في 6 يناير 2011، وفى حفل تكريم كبير في 11 يناير 2011.
بل جاء التكريم ليس لمجدى يعقوب، بل لمشروعه الإنسانى لعلاج مرضى القلب في كل مكان، والتى تجاوزت التبرعات له خلال الاحتفال بمبادرة «صناع الأمل»، الـ88 مليون درهم، بما يقترب من 400 مليون جنيه، في حالة حب غير مسبوقة لرجل وهب نفسه للإنسانية بمفهومها لعلاج الأطفال بتكاليف في المتوسط 7 آلاف جنيه، وبنسبة بسيطة قياسا على تكاليف تصل إلى 100 ألف دولار، في أوروبا، إنه بالفعل «مشروع العام الإنسانى العربي».
والإنسانية لا تغيب عن آخرين، فهناك نموذج آخر استحق أن ينال تكريما الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات ضمن مبادرة «صناع الأمل»، إنه الطبيب المصرى الدكتور مجاهد مصطفى على الطلاوي.
والدكتور الطلاوى نموذج آخر للإنسانية في الثوب الأبيض، والذى بدأ قبل 30 عاما في علاج الفقراء بمحافظة بنى سويف، وخصوصا في جراحة المسالك البولية، وتوفير خدمات للمواطنين بسعر رمزى وبالمجان للفقراء وغير القادرين، بدأت بجنيهين ولا تتجاوز 10 جنيهات، وغالبية المرضى يتم إعفاؤهم منها.
الدكتور الطلاوى لديه فريق من المتطوعين يساعدونه في عمله، بينهم زوجته الدكتورة «زيناهم» المتخصصة في النساء والتوليد، و7 أبناء، منهم 5 أطباء واثنان متخصصان في مجال الفحوصات والصيدلة، وخلال 30 عاما عالج الطلاوى أكثر من 2 مليون حالة بما يعادل 60 ألف حالة سنويًا، وبواقع 250 حالة فحص طبى يوميا.
وأحلام الإنسانية لا تتوقف عند طبيب الغلابة في بنى سويف، حيث يعمل ليل نهار لإنجاز افتتاح مستشفى يقوم بتشييده حاليا في قريته لعلاج المحتاجين بمقابل رمزى جدًا.
إنها الإنسانية في الرداء الأبيض.