الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

صالحة وتلميذاتها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن عزاء معهودا، فالجالسات حولى رفيقات دربها أو تلميذاتها، أوتلميذات لمن تخرجن على يديها، ما إن دخلت بيتها بحى الأندلس- طرابلس- مُحملة بفقدى هذه السيدة الجليلة المعطاءة «صالحة ظافر المدني»، مُقدمة تعزيتى الحارة لابنتى شقيقتيها السيدة نديمة: ابنتها د. إشراق، وحزامى ونجلاء ابنتى السيدة فاطمة، وفتيات العائلة، وحقيقة كانت تعزيتى لكل من جلسن، فالفقد والعزاء واحد في المربية الجليلة صالحة، بعد حين قامت د. إشراق بتعريفى بالحاضرات: اسما يعقبه اسم، فهن بعض من مُؤسسات جمعية النهضة أكتوبر1957م، وما زالت أسماؤهن التى وردت في وثيقة محضر الاجتماع التأسيسى راسخة في ذاكرتى- والرائدات من خريجات الدفعات الأولى، لأول معهد معلمات بطرابلس، السيدة مريومة الباهى تطالع ورقات هى مقابلتى للمرحومة عام 2006 م، والتى نُشرت بمدونة سريب، وموقع جيل ليبيا الإلكترونى الذى اختارها كشخصية للعام 2008م. السيدة مريومة تراجع وتعرض حكاياتها التى تواصلت وارتبطت بما سردته الراحلة بالمقابلة، معلنة أسفها للظلم المعنوى والاجتماعي الذى وقعت تحت طائلته السيدة الفقيدة، د. إشراق ابنة السيدة نديمة ظافر، وحزامى ونجلاء ابنتا فاطمة، يسردن عن صبرها في مواجهة مرضها، والآلام التى عانتها، نديمة شرف الدين المُعلمة بمدرسة جامع المغاربة تُعلق: سيدة عظيمة صابرة محتسبة الله يرحمها، ما فعلناه في مناصرة ودعم الشعب الجزائري، وشعبنا في فلسطين، كثير منه لم يوثق، والله أتذكر، كن بالفراشية «زى ترتديه المرأة في طرابلس» ندور على أحياء وبيوت طرابلس ننادى الناس لمساعدة الشعب الجزائرى في محنته، أتذكر في شارع الظهرة سيدة خلعت أسورتها «حديدتها»، وفى حى آخر نطرق الأبواب، فيُلبى الناس بنخوة وشهامة، سيدة أخرى خلعت قرطيها «خُرسها»، ولك أن تتصورى أنهم فقراء، وربما كثيرات منحن أغلى ما يملكنه، لا أنسى أننا كنا نسلم ما نجمعه للمرحوم سعد الدين الشريف من اللجنة المنظمة لجمع التبرعات، تُشير إلى زوجته الحاضرة معنا «زينوبـة بوشويـرب»، وهى من الرائـدات اللاتى تعلمن عند «العريفـة الخوجة» زهرة رمضان، والعريفـة «عريفتي: من تعرفنى وتُعلمني» في طرابلس، نموذج مصغر للمدرسة، تديرها سيدة لها خبرتها الحياتية، والتى لا ترتبط طبعا بمؤهلات تعليمية، وإن كان التعليم المركزى فيها للبنات يعتمد على التفصيل والخياطة، والتدبير المنزلي، وإعداد الفتاة لحياتها المستقبلية كزوجة وأم. السيدة آمنة عبدالعال تلميذة للفقيدة، وساهمت في نشاط الجمعية، وهى شقيقة د. آسيا عبدالعال من مثلت بلدها في المَحافل النسوية مُبكرا، علقت أيضًا: الأستاذة صالحة معلم من معالم طرابلس العريقة، السيدة مريومة الباهى تعود وتقرأ عنوانا مُتعلقا بتاريخ تأسيس «الجمعية النسائية بطرابلس»، وتقول لنا: الحاجة صالحة جمعتنا قبل سنوات من هذا التاريخ، ولا تسعفنى الذاكرة لأحدد التوقيت، حينما اجتمعنا لم نكن ننتظر مصادقة الملك، سرا وفى أكثر من مكان نلتقى سرا، ونضع خططنا، عمل، عمل، عمل، منذ أوائل الخمسينيات.
تعود السيدة نديمة مُتحفزة، لتؤكد أن سبب نجاح الفقيدة، فيما رهنت له حياتها، لما يقارب نصف قرن، شخصيتها الحازمة، ولم تكن لتقبلنا ما لم نكن نجاريها في حماستها، و«أنه لولا خطتها التى ألزمتنا بها ما نجحنا في سرعة إنجازنا لمحو أمية عشرات الفتيات وقتها، فالتدريس كان صباحا ومساء دفعة تتلوها دفعة من طالبات الصف الخامس»، فتذكرها المعلمة مريومة بأن الراتب كان 18 جنيها، والتدريس المسائى مجانا، «ثم تتابع نديمة» كانت شديدة ومُلحة في أن نبذل جهدا مضاعفا من السابعة صباحا إلى السابعة مساء، آذان المغرب بل وأحيانا التاسعة ليلا، ساندنا معلمون ودعمونا، حققنا معها معجزة، أجيال تتلوها أجيال من النساء محون أميتهن. 
ذلك بعض مما خزنته ذاكرتى في يوم العزاء، لمواراة جثمانها الطاهر الثرى، ما جرُؤت على فتح حقيبتى لإخراج آلة التسجيل أو مذكرتى الخاصة، ظننت أن المقام لا يليق بهكذا فعل، فكن أكثر صلابة مني، وفاعلية بمواجهة الحياة وأقدارها، تمنيت عليهن بل ورجوتهن أن نلتقى لنوثق لسيرة أعمالهن ونحفظها في سجل وطننا المضيء، ونهديه إلى روحها، فهى من يستحق وأكثر.