تحتل المملكة الأردنية الهاشمية، مكانة خاصة في قلوب المصريين، فكل مصرى يشعر أنه في بيته وبين أهله وهو يعيش في الأردن. فموقع هذا البلد الشقيق، القريب منا جغرافيًا، وتركيبته السكانية، وظروفه الاجتماعية والاقتصادية، والتى تشبه إلى حد كبير ظروفنا في مصر، تجعل هذا البلد الشقيق أقرب إلينا عن أى بلد آخر. ولقد كان لى شرف التعرف على عدد غير قليل من الأصدقاء، وكذلك زيارة المملكة الأردنية أكثر من مرة، وتعرفت عن قرب على تجربة الأردن في التعليم والصحة والسياحة العلاجية. وهى تجارب ناجحة يمكننا الاستفادة منها.
أولًا: في مجال التعليم والبحث العلمي، تحتل المملكة الأردنية الهاشمية مرتبة متقدمة بين الدول العربية، وعلى المستوى الدولي في التعليم والبحث العلمي. حسب تقرير المنتدى الاقتصادى العالمي، للعام 2017-2018، والذى شمل 137 دولة. فقد احتلت الأردن المرتبة السادسة عربيًا في جودة التعليم، والمرتبة 43 عالميًا. وفى البحث العلمي، احتلت الأردن المركز الرابع عربيًا، والمركز 58 عالميًا، بينما احتلت مصر في نفس العام المرتبة الثانية عشرة عربيًا، وجاءت بعدنا كل من اليمن وموريتانيا.
وهذا الترتيب المتقدم يعكس اهتمام الأردن بجودة التعليم والبحث العلمى باعتباره قاطرة التنمية المستدامة، وأقصر الطرق لتحقيق النمو الاقتصادى والاستقرار السياسي، والحراك الاجتماعي.
ولقد كان لى شرف المشاركة في وفد من طب المنصورة لزيارة وزارة التعليم العالى الأردنية سنة ٢٠١٤، في جولة شملت أيضًا سفارة مصر في عمان، وعدد من الشركات العاملة في التسويق للتعليم العالى واجتذاب الطلاب الوافدين إلى الجامعات الأردنية.
وأتذكر أن وكيل وزارة التعليم العالى الأردنى قد قال لنا إن الحكومة الأردنية كانت قد وافقت للجامعات الحكومية على قبول ٣ أنواع من الطلاب، كلهم يدرسون في مكان واحد ولكن بظروف وشروط مختلفة. ١- الطلاب الأردنيون الذين حققوا المجموع المطلوب للالتحاق بالجامعة، ويسددون رسوم رمزية (مثل التعليم الحكومى عندنا).
٢- الطلاب الأردنيون الذين لم يحققوا الحد الأدنى للقبول بالجامعات الحكومية، وهؤلاء يدفعون رسوما دراسية أكبر بغرض تحقيق دخل يساعد على تطوير العملية التعليمية (مثل البرامج المتميزة في الجامعات المصرية). وذكر أن نسبة هؤلاء الطلاب كانت في الأول في حدود ١٠٪ من الطاقة الاستيعابية للجامعات، وأنها قد ازدادت مع الوقت إلى أن وصلت لقرابة ٥٠٪ من التعداد الكلى للطلاب خلال ٥ سنوات فقط. وتتذكرون أن هذا الموضوع كان قد تم عرضه على مجلس الشعب المصرى سنة ٢٠٠٥، إلا أنه قد رفض بحجة عدم الدستورية، مما اضطر الدكتور هانى هلال وزير التعليم العالى الأسبق، من إنشاء البرامج المتميزة داخل الجامعات الحكومية.
٣- الطلاب الوافدون، وتجتذب الجامعات الأردنية أعدادًا كبيرة من الطلاب الوافدين من كل دول العالم، خاصة دول الخليج وماليزيا.
وفى هذا السياق فقد نجحت الجامعات المصرية في اجتذاب أعداد جيدة من الطلاب الوافدين خلال السنوات الخمس الماضية. وليتنا نعود إلى مناقشة فكرة قبول نسبة من الطلاب المصريين الذين قاربوا الحد الأدنى للقبول بالكليات مقابل مصروفات، فنظريًا وعمليًا لايوجد فرق بين طالب حاصل على ٩٨٪، وآخر حاصل على ٩٧٪ في الثانوية العامة. ومن واقع خبرتى كعميد لطب المنصورة، فقد كان هناك العشرات من الطلاب كل سنة، ممن يلجأون إلى القضاء لإعادة تصحيح أوراقهم في الثانوية العامة لأنهم فقدوا الالتحاق بكلية الطب على درجة أو اثنتين، وكان معظم من يتظلم يحصل على درجات أعلى، ويعاد توزيعهم على كلية الطب بعد مرور عدة أشهر، أو حتى عام دراسي. ولا أظن أن قبول الطلاب في الجامعات الحكومية المصرية، بدرجات أقل ١٪ عن الحد الأدني، وبرسوم دراسية معقولة، سيكون ضرره على المجتمع أكبر من التحاق هؤلاء الطلاب في الجامعات الخاصة برسوم دراسية باهظة. خاصة، ونحن نعرف أنه في النهاية سوف تعترف وزارة التعليم العالى بخريجى الجامعات الخاصة، وأنهم سوف يعملون في الحكومة مثلهم مثل خريجى الجامعات الحكومية.
ثانيًا: في مجال الرعاية الصحية والمستشفيات، أعترف بأننى قابلت أطباء أردنيين، وفلسطينيين تعلموا في الأردن، وعلى درجة عالية من الكفاءة والمهنية والتدريب. وأن منظمة الصحة العالمية (WHO) في عام ٢٠١٧، اعتبرت النظام الصحى في الأردن من أفضل الأنظمة الصحية الموجودة في الشرق الأوسط، حيث ارتفع متوسط العمر لدى أفراد المجتمع إلى 74 عامًا، وأن التأمين الصحى قد شمل قرابة ٧٠٪ من الأردنيين.
وتتمتع مدينة الحسين الطبية في عمان بسمعة عالمية، حيث تم بها إجراء أول عملية زراعة قلب في الشرق الأوسط سنة 1985.
وفى زيارتى إلى السفارة المصرية في عمان، أشاد طاقم السفارة بالخدمات الصحية الجيدة التى تقدمها مدينة الحسين الطبية، خاصة برنامج الوقاية والعلاج من الأورام داخل المدينة.
ولقد نجحت الأردن في تشجيع القطاع الخاص في الاستثمار في مجال الصحة، وفى إنشاء مستشفيات حسب المواصفات العالمية وحاصلة على شهادة الاعتماد الدولية (JCI). وهذا ما ساعد أن أصبحت السياحة العلاجية أحد مصادر الدخل في الأردن.
ثالثًا: في مجال السياحة العلاجية، نجحت الأردن في أن تحتل المرتبة الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السياحة العلاجية، حسب إحصائيات عام ٢٠١٨، ويرجع الفضل الأول في ذلك إلى جودة المستشفيات الخاصة. وقد نفذت المستشفيات الخاصة إستراتيجية تسويقية للترويج للسياحة العلاجية الأردنية في كل دول الخليج العربي، وكازاخستان وغيرها. وبجانب الدعاية والتسويق، فقد أعدت الأردن إستراتيجية من عدة محاور تشمل ضمان جودة الخدمات الصحية المقدمة، وتسهيل دخول المرضى من الجنسيات المختلفة، وتعديل التشريعات التى تنظم السياحة العلاجية ومن ضمنها قانون المسئولية الطبية، إلى جانب اجتذاب أمهر الأطباء الأردنيين والفلسطينيين المغتربين للعودة إلى العمل في المستشفيات الأردنية.
ولقد نجحت المستشفيات الخاصة الأردنية، والتى يزيد عددها عن ٦٠٪ من إجمالى عدد المستشفيات في الأردن، في تطبيق معايير الجودة الدولية والوطنية، حيث حصلت 10 مستشفيات على شهادة الاعتماد الدولى (JCI)، وهو ضعف عدد المستشفيات المصرية الحاصلة على نفس شهادة الجودة الدولية.
وقد بلغ حجم الاستثمار سنة ٢٠١٩، أكثر من 3 مليارات دينار أردني.
ومع انفتاح مصر على كل دول العالم، ومع تقبل الاعتراف بأننا بحاجة إلى الاستفادة من التجارب الناجحة شرقًا وغربًا، أعتقد أن مصر تستطيع أن تستفيد من تجربة الأردن الناجحة في النهوض بالتعليم والبحث العلمي، وفى تشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مجال الصحة، وأن تنافس بقوة في مجال السياحة العلاجية.