الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

يهود مصر عبر التاريخ - 5

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حين شرعنا في كتابة هذه السلسلة من المقالات كنا نريد أن نرصد بعض الحقائق التاريخية التى تؤكد أن اليهود كانوا يعيشون في مصر بداخل النسيج الاجتماعي وأنهم تأثروا وأثروا ولم يعش إلا القليل منهم حياة «الجيتو» التى فرضوها على أنفسهم داخل ما يسمى حارة اليهود،وأكبر دليل على ذلك هو أن تجارًا وساسة وأطباء وفنانين كانوا ينتمون لطائفة اليهود في مصر وكانوا يعيشون في أرقى الأماكن وبعضهم لم يزر في حياته حارة من حوارى اليهود بل سكنوا جاردن سيتى ومصر الجديدة وشارع الملكة نازلى «رمسيس» حاليا،وتركوا لنا مؤسسات مالية وتجارية وشاركوا في الحياة الثقافية والفكرية والسياسية وهذا ما سوف نعرفه تفصيلا فيما بعد،ومعنى ذلك ان أسطورة الاضطهاد هى محض افتراء اخترعتها الوكالات والمنظمات الصهيونية في بداية القرن العشرين وراحت تروج لها كى تدفع اليهود في مختلف بلدان العالم لترك أوطانهم والهجرة إلى فلسطين، فليس سهلًا أن تقنع أى إنسان بترك وطنه الذى ولد وعاش فيه ويضم ثراه أجساد أجداده أن يهاجر إلى أرض أخرى لم تكن ممهدة لاستقباله، بل سيدفع ثمن وجوده فيها إما قتالًا أو عملًا مضاعفًا ومجهودًا شاقًا في بلد لم يكن أحسن حالًا من البلدان التى كانوا يعيشون فيها قبل ذلك، ولكن من الضرورى أن يتم هذا الرصد بشكل تاريخى دقيق يعرفنا كل شىء عن اليهود عبر التاريخ، وكنا في المقال الأخير قد توقفنا عند ظهور الاسكندر المقدونى،ففى النصف الثانى من القرن الرابع قبل الميلاد برز اسم «فليب» ملك مقدونيا والذى قام بتوحيد ممالك اليونان لرد العدوان الفارسى،وبعد موته تولى الحكم ابنه الإسكندر ولم يكن قد تجاوز العشرين من عمره وكان إلى جانب حبه للرياضة البدنية والقتال يتعلم الفلسفة والفكر على يد الفليسوف اليونانى المشهور أرسطو،وسرعان ما بدأ الإسكندر في فتوحاته العسكرية الكبرى، فقد نجح في تكوين جيش كبير ودخل المعركة ضد الفرس ونجح في تحقيق نصر مبين،وقد فتح هذا النصر الطريق أمام الإسكندر لدخول معظم مدن غربى آسيا الصغرى حيث قام بعزل حكامها وأحل مكانهم حكامه، وصار الإسكندر جنوبًا بموازاة الساحل السورى وكان يهدف إلى الاستيلاء على الموانئ الفينيقية وعزل الأسطول الفارسى الذى كان يجوب البحر المتوسط،والتقى الجيشان مرة أخرى وتكرر انتصار الإسكندر،وهرب داريوس ملك فارس تاركًا أفراد أسرته الذين وقعوا أسرى في أيدى اليونانيين وسقطت دمشق وسقطت معظم المدن الفينيقية ووصل الإسكندر إلى مصر فاستقبله المصريون بالترحاب واضطر الوالى الفارسى إلى الاستسلام وكانت مصر تعانى من قسوة معاملة حكام الفرس لها فاعتبر أهلها أن الإسكندر جاء ليخلصهم من عذابهم وأخذوه إلى مدينة منف حيث قام الكهنة بتتويجه ملكًا على مصر وترك الإسكندر حامية عسكرية في منف ثم ذهب إلى شاطى البحر المتوسط قرب رشيد حيث وضع الأساس لمدينة الإسكندرية التى أرادها أن تكون نقطة وصل بين مصر واليونان،وواصل الإسكندر فتوحاته واستولى على معظم بلاد فارس ولقب آنذاك بسيد آسيا ولكن طموح الملك الشاب لم يقف عند هذا الحد فتحرك على رأس جيشه حتى وصل إلى بلاد الهند وأواسط آسيا،وكل الأدلة التاريخية تشير إلى أن اليهود في تلك الفترة لم يكن لهم أى كيان سياسى مستقل، صحيح أن الملك الفارسى كورش قد أعادهم إلى أرض فلسطين أو كنعان – كما أوضحنا في المقال السابق - ولكن دون الإعلان عن ميلاد مملكة يهوذا من جديد،فهم يعيشون تحت حكم الفرس ولم يفكر أحدهم في إعادة إنشاء دولة يهوذا،ولما دخل الاسكندر الأكبر أرض كنعان التقى باليهود،وفى القصص اليهودية أن الإسكندر عندما كان يحاصر مدينة صور بعث إلى الحبر الأعظم في أورشليم يطلب منه أن يمده بجند لمساعدته على حصار المدينة، فأبى عليه الحبر ذلك تعبيرًا عن ولائه للملك الفارسى داريوس الثالث،وعندئذ غضب الإسكندر ولما استولى على أورشليم خاف الحبر الأعظم من انتقامه فارتدى الملابس البيضاء وخرج مع يهود المدينة لاستقبال الإسكندر وعرض عليه خدمة اليهود في جيشه فأعلن الاسكندر تسامحه مع اليهود الذين انضم بعضهم لجيش الإسكندر وصحبوه إلى مصر فاجتذبت الحياة الجديدة في مصر هجرات يهودية وفدت لتنعم بخيرات البلاد، وقد توفى الإسكندر بحمى الملاريا في شهر يونيو من عام 323 ق.م وهو لم يزل في الثالثة والثلاثين من عمره وترك رفقاءه يعالجون مشكلة طارئة لم تكن في الحسبان ذلك أن الإسكندر لم يجد أثناء فتوحاته الوقت لاختيار الخليفة الذى يرث الملك من بعده،وتذكر الروايات المتواترة أنه عندما توسل إليه الرفقاء وهو على فراش الموت أن يحدد اسم من يخلفه اكتفى بإن همس قائلا: «أفضل الرجال» فتنازع القوم بعد وفاته وظهر في الأفق اسم القائد اليونانى «بطليموس» الذى اختار مصر عاصمة لحكمه،ثم جاء ابنه بطليموس الثانى ومن هنا ظهر لفظ البطالمة فيقال:دولة البطالمة أو البطالسة،وكان لليهود فيها دور كبير حيث دعى بطليموس الأول ومن بعده الثانى إلى الحرية التجارية،فنزح اليهود من مختلف البلاد إلى الإسكندرية، وهناك تمتعوا بكل الحرية الدينية والثقافية والاقتصادية، وهذا ما سوف نعرفه في المقال القادم فللحديث بقية.