تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
«لكل مقام مقال! وأرجوكم ألا تعتبروا هذا الكلام مقالًا، لأن المقالات الجادة لا تكتب عادة عن حكايات تافهة!!»
والحقيقة أن الحكاية التى تشغل الناس هذه الأيام بايخة، وبعض الفقاعات التى تنفجر في وجوهنا كل فترة وتلهينا حتى الغرق في القاع الآسن، ما هى في الحقيقة إلا أزمات مفتعلة أو ربما هى مقصودة للتنفيس أو التسلية وإضاعة الوقت في “هرى فارغ” على مواقع التواصل!.
فهل تصدقون حقًا أن هناك قضية ما أو خلاف حقيقى بين نقابة الموسيقيين ونقيبها مع محمد رمضان أو حسن شاكوش؟!
هل تصدقون حقًا أن الإعلام في بلدنا شعر بالصدمة فجأة وبالخوف على الأخلاق من أغنية شاكوش وعمر كمال (بما فيها من معان عن الحشيش والخمر) في احتفالية علنية باستاد القاهرة أقيمت برعاية قناة رسمية وبموافقة الدولة وإدارة الاستاد وبتصريح من النقابة؟!
هل تصدقون أن بعد هذه الغضبة الجسورة لن يواصل محمد رمضان الغناء ولن يستمر شاكوش في الدق على رؤوس الناس؟!
وارجع شوية لورا.. وتذكر انتفاضة النقابة على شطة وحمو بيكا وإخوانهم.. ماذا حدث؟.. تمخض الجبل فولد أسرابًا من المهرجانات الجديدة التى تنتشر في كل حارة في مصر وتصدح من أبواق كل توك توك مارق بعشوائيته المعتبرة في أرجاء المحروسة!
هل نشمت حقًا هذه الأيام في محمد رمضان وشاكوش ونجوم المهرجانات، أم نضحك على أنفسنا؟!
وقولوا لنا..
متى منع الحظر والتضييق والتخويف فنًا فاسدًا أو راقيًا أو سياسيًا أو خلاعيًا من أيام الست منيرة المهدية ومرورًا بخالد الذكر سيد درويش وبلبل الشرق (الذى غنى عاريًا في الحمام) وحتى عدوية وشعبولا.. إلى حارة حوش قدم والشيخ إمام ونجم اللذين كانا كلما دخلا السجن خرجا منه بأغنيات سياسية تداولها الناس سرًا على أشرطة الكاسيت ولم تقلح أى رقابة في قتلها؟!
واسألوا عن حال الذوق العام.. اطلبوا من نقابة الموسيقيين أن تجرى استطلاعًا للرأى بين ملايين الشباب بين سن الخامسة عشرة وحتى الخامسة والعشرين.. أيهما تفضلون.. من هو مطربكم المفضل هانى شاكر أم حسن شاكوش؟!
وأتحدى أن تجرؤ النقابة عن إعلان النتيجة!!
وخلونا نعترف..
نحن نعيش في محنة ثقافية وفنية وأزمة في الهوية..
ومشكلة البعض أنهم يفضلون في مواجهة المحن الكبرى اتباع “سلوك النعامة”،.. ندفن الرؤوس أو نبحث عن شماعات، أو نلجأ للأمن.. أو الرقابة أو لأى بطش مؤقت ثم ندفن الرؤوس مجددًا حتى تمر العاصفة، لتعود ريما لمهرجاناتها القديمة!.. ولا شىء يحدث.. لا إصلاح يحدث.. لا مواجهة حقيقية موجعة مع واقع مؤلم وثقافة سادت فأبادت ما قبلها من إبداع وفنون عظيمة للأمة المصرية تعب في صناعتها حريفة عظام حتى سكنت وجدان أجيال. هذا الإرث العظيم للأسف ينقرض أو يتداعى الآن في كل الفنون.. موسيقى ورقص وغناء وسينما ومسرح وتأليف وكتابة..
وبدلا من دعوة الناس للغناء وإحاطة الإبداع - أى إبداع - بالتوجيه والرعاية، لا يملك كهنة الأخلاق إلا سيف قطع الرؤوس باسم حماية الفن النظيف وهم لايسألون أنفسهم ماذا أضافوا «لفنهم النظيف ؟!».
ألم يكن هو النقيب نفسه الذى شن حملة جسورة ضد ما سماها “موسيقى عبده الشيطان” لمجرد أن شبابها يرتدون سترات جلدية سوداء؟!
وفى حين تهب النقابة بسوط الرقابة الآن ضد أغانى المهرجانات “التى تفسد الذوق العام”، أين هى من دعم وتشجيع التجارب الموسيقية الباهرة للعديد من فرق الشباب ومطربى الأندرجراوند ومن الأصوات الجديدة البديعة التى ما إن تخطف الأنظار في حفل أو مسابقة تليفزيونية إلا وتختفى وتموت كمدًا بفعل فاعل لأنها لم تلق تشجيعًا ولا رعاية من حملة توكيل أخلاق الغناء والموسيقى في البلد؟!
إن أخلاق أى مجتمع تتعلمها الشعوب في دور العلم والفن والعبادة، وللمسئولين عن هذه الدور جميعًا نقول اليوم “من أعمالكم سلط عليكم” ولن تحميكم القرارات الإدارية ولا البكاء على الفن المسكوب، إنما الإصلاح الحقيقى يبدأ من القمة، من التعليم والثقافة والفكر والرؤية وعبر حركة تغيير حقيقية يقودها مناضلون ومغامرون حقيقيون مثلما فعل الأوائل، يذهبون أولًا للناس في القاع الذين أهملوا طويلًا حتى فسدت أذواقهم، يحملون لهم فنًا جميلًا يخاطب مشاعرهم ويعبر عنهم، لا شعارات غنائية جوفاء ولا قصائد في مديح الباب العالى!!
كانت هذه تاريخيًا قوة مصر الناعمة، من الشيخ سيد درويش،الذى عبر محنة الكوكايين، ولحن بلادى بلادى إلى أم كلثوم ورامى وبليغ.. إلى بيرم وفؤاد حداد ومرسى جميل عزيز والأبنودى وسيد حجاب وعمار الشريعى وحتى الحلو والحجار ومنير وعمرو دياب..
سلسال من الإبداع ونهر دافق من العبقرية المصرية التى أينعت في مناخ آخر !
فأى مناخ نحن فيه الآن.. وعلام تتباكون؟!!