الغالبية العظمي ممن اجتذبهم النشاط الإرهابي في بلادنا كانوا من دارسي تخصصات كليات القمة هذه، و غني عن البيان أن الفكر الذي اجتذب هؤلاء باعتراف الجميع لم يكن فكرا علميا بحال، بل لم يكن حتى فكرا دينيا صحيحا من وجهة نظر الأزهر، و قد بدا لي أن اختيارهم طريق الإرهاب قد يرجع إلي أن أعداد طلاب التخصصات العلمية لا يتضمن طيلة سنوات تعليمهم من مرحلة الحضانة إلي مرحلة الدراسات العليا مقررا دراسيا واحدا يتعلق بالمنطق أو الفلسفة أو تاريخ الفكر أو ما إلى ذلك من موضوعات تحمل شبهة تعليم المنهج العلمي أو الإشارة إلي نسبية الحقيقة؛ و كان طبيعيا و الأمر كذلك أن ترسخ لدي هؤلاء الأبناء عقيدة مؤداها أن التفكير لا يحتاج إلي تعليم، وأن تمحيص الأفكار لا يحتاج إلي تدريب، وأنه يكفي للتسليم بصواب فكرة معينة أن تبدو منطقية، أو أن تصدر عن مصدر ثقة، أو أن تتفق مع مشاهدات "واقعية"، أو أن تكون متكررة لزمن طويل، ولذلك فإنه مما يستلفت النظر حقا أن قوائم قيادات وممارسي الإرهاب تكاد تخلو تماما من أبناء التعليم الأزهري ربما باستثناء الشيخ عمر عبد الرحمن، تري لماذا إذن لم يجتذبهم ذلك الفكر الديني المتطرف و هم الأكثر إتقانا لمفرداته و الأكثر ألفة بجذوره، و الأكثر مصداقية إذا ما صدر عنهم؟، تري لماذا لم يخرج من بين صفوفهم مثلا الدكتور أيمن الظواهري خريج كلية طب جامعة عين شمس وصاحب كتاب الولاء و البراء الذي استهوى حسن بشندي طالب هندسة الزقازيق و صاحب جريمة الأزهر الإرهابية عام 2005.
لقد كان التفسير الذي توصلت إليه آنذاك هو أن طالب الأزهر منذ البداية الأولي لتعليمه الأزهري يعتاد سماع أساتذته خلال عرضهم لآراء المذاهب المختلفة حول قضية مطروحة مبينين الرأي الذي يرونه أقرب إلي الصواب مختتمين حديثهم بتلك العبارة بالغة الدلالة "و الله أعلم" ومع مضي السنوات يصبح ذلك التعبير ضمن مفردات طالبنا الأزهري بحيث لا يزعجه اختلاف الاجتهادات ما دامت لم تتجاوز حدود اليقين الذي يلتزم به، أو بعبارة أخري فإنه يجد يقينه متسعا ولو بمقدار لتباين وجهات النظر و يظل متمسكا حتى النهاية بأن "الله أعلم".
لقد أتيح لي قراءة كتاب الدكتور أيمن الظواهري المشار إليه و افتقدت بشدة تعبير "الله أعلم" الذي لم يرد سوي مرات ثلاث علي وجه التحديد ضمن كلمات الكتاب التي تجاوزت احدي عشر ألف كلمة (11165كلمة) وقد ورد التعبير في المرات الثلاث الاستثنائية ضمن نصوص لابن كثير و الشافعي ثم علي سبيل التصحيح لعبارة وردت في كتاب المحلي، أما فيما عدا ذلك فالأحكام و التفسيرات قطعية يقينية مطلقة.
وظل رهاني علي وسطية خريجي الأزهر قائما حتى منتصف عام 2001 حين توالت ردود الفعل العنيفة إثر نشر قصة لمؤلف سوري تحمل اسم "وليمة لأعشاب البحر".
و للحديث بقية