الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أغاني المهرجانات العشوائية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعتبر الفن مرآة تعكس تحضر الأمم ورقيها.. وعنوانا لنهضتها وثقافتها.. ودافعا للسموّ بالنفس البشرية وتهذيبها.. ومصدرا لنشر الجمال والأحاسيس والمشاعر النبيلة بين أفراد المجتمع.. وغرس الانتماء والروح الوطنية في نفوس وقلوب المواطنين.. وتهذيب سلوكهم وأخلاقهم.. وله دور فعال ومؤثر سواء على الفرد أو المجتمع في كافّة المجالات الحياتيةّ.. سواء كانت اجتماعية أو فكرية أو اقتصادية أو سياسية أو غيرها من المجالات.. فهو يلامس أرواح الناس وقلوبهم وعقولهم.. وقد يكون أداة بناء أو معول هدم لأركان المجتمع.. وسببا لترسيخ أو تفكيك التماسك الاجتماعي.. والأغنية الشعبية من أكثر ألوان الفنون تأثيرا في الذوق العام للمستمعين.. سواء كان هذا التأثير إيجابيا أو سلبيا. 
والأغنية الشعبية في مصر.. ارتبطت بأحداث تاريخية وملاحم وبطولات وعادات وقيم أصيلة.. ولها أسس ومواصفات وأصول وقواعد خاصة بها.. تلامست مع مشاعر المصريين وعبرت عن أفراحهم وأتراحهم وآمالهم وآلامهم.. ولامست مشاعرهم وأحاسيسهم.. وظلت خالدة في ذاكرتهم.. وتوارثوها أجيالا بعد أجيال.. أما ما نراه الآن.. فهو لا يمت للأغنية الشعبية بصلة.. بل هو إسفاف وابتذال.. وحالة من الفوضى الغنائية والتدنى والتدهور والهبوط والتردى الفنى والثقافى الذى أصاب مجتمعنا.. وأدق ما توصف به هذه الحالة.. أنها أغان عشوائية.. وليست شعبية.. فهى لا تعبر عن الشعب واهتماماته وهمومه.. ولا تعيش طويلًا كالأغانى الشعبية الأصيلة الخالدة في وجدان الناس.
لقد أصبح الفن الهابط وأغانى المهرجانات.. الشغل الشاغل للناس.. ومحور أحاديثهم ونقاشاتهم في الشارع وفى المواصلات وعلى صفحات التواصل الاجتماعي وحتى في البيوت.. وظهرت على الساحة أسماء غريبة.. انتسبت زورا وبهتانا للفن الشعبي.. وتخطت نسب مشاهداتهم على اليوتيوب ملايين المشاهدات والمتابعين.. وجنوا من وراء ذلك أموالا طائلة.. وافتعلوا المشكلات فيما بينهم.. ليشعلوا وسائل التواصل الاجتماعي وحتى وسائل الإعلام وبالتحديد الفضائيات الخاصة التجارية التى لا يهمها سوى المكسب السريع.. دون النظر إلى تأثيرهم على الذوق العام. 
هذه الأغانى المسماة بأغانى المهرجانات.. أثرت بشكل سلبى في الذوق العام.. وأصبحت ظاهرة ضارة بالمجتمع.. والمشكلة أن الذين يؤدونها أشخاص لا يمتلكون أية موهبة أو صوت أو ثقافة أو حس.. بل إن أسماءهم نفسها تحتاج إلى تفسير.. شاكوش وشطة وبيكا وكسبرة وحنجرة واوكا وأورتيجا وكاريكا وحاحا وغيرها من المسميات التى من المفترض أن تؤدى إلى عزوف الناس عن سماعهم.. ولكن للأسف.. تبنتهم السينما التجارية والقنوات الشعبية.. إلى أن أصبح لهم جمهور عريض من الشباب.. الذى تربى أيضا على الأفلام الهابطة والمسيئة للمجتمع المصري.. وحتى كلمات تلك الأغانى ركيكة ومبتذلة وبلا مضمون أو هدف.. فمن أدهم الشرقاوى والسيرة الهلالية وعدوية وبهية وغيرها من أغانى الفن الشعبى المحترم.. إلى «باحبك يا حمار» و«الشبشب ضاع» و«عندى ظروف» و«بوس الواوا» و«حط إيده يا» وغيرها من الأغانى الخارجة والخادشة للآداب والمؤثرة على الذوق العام.
والأغانى الهابطة والخليعة.. ليست حديثة على الفن المصري.. بل ظهرت مع ظهور فن الغناء في مصر.. ولكنها لم تكن ظاهرة.. ولم تعش طويلا.. لأنها في النهاية لا تعلق بأذهان الناس.. وسرعان ما يلفظونها وينسونها.. أم كلثوم نفسها غنت طقطوقة بعنوان «الخلاعة والدلاعة مذهبي» ولكنها سحبت أسطواناتها من السوق بعد أن واجهت انتقادات لاذعة.. وسيد درويش غنى «وأنا مالى ما هى اللى قالتلي» وهى أغنية تحمل الكثير من الإيحاءات الجنسية.. ومحمد عبدالوهاب غنى «عشرة كوتشينة».. ومنيرة المهدية غنت أغانى غاية في الإسفاف منها «إرخى الستارة».. و«بعد العشا يحلى السهر والفرفشة» وغنت رتيبة أحمد «الحب دح دح والهجر كُخ كُخ».
وظلت الساحة الغنائية تشهد أغانى هابطة طوال العقود المتعاقبة.. ولكنها لم تكن بالانتشار الذى نشهده الآن.. خاصة في ظل الإعلام الحديث المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب.. والقنوات الفضائية التى تقدم الأغانى والألوان الشعبية والرقص الشرقي.
لقد فقدت الساحة الفنية في مصر رونقها وسحرها وبريقها الخاص.. فلم يعد هناك سينما أو مسرح أو حفلات ربيع وغيرها من فعاليات الفن الجميل المحترم.. وبعد أن كانت الأسر تحرص على مشاهدة الأفلام والعروض المسرحية بالمسارح ودور السينما.. عزفوا عن ذلك وهجروها.. حتى أصبحت خاوية على عروشها.. وانزوى أصحاب الأصوات الموهوبة الأصيلة.. وتركوا الساحة لأصحاب الأصوات النشاذ.. أصحاب أغانى التيك توك والمهرجانات.. ليلوثوا الغلاف الفنى بعوادمهم الخانقة ونفاياتهم السامة.. ولا بد من وقفة جادة.. تجاه هذه الظاهرة الضارة.. حتى لا تستفحل وتكون عواقبها وخيمة.