اعتقد رجب طيب أردوغان أن جماعة الإخوان قادرة على العودة إلى سُدة الحكم في مصر ودولٍ عربية أخرى بعد زلزال الثلاثين من يونيو 2013 الذى أنهى حقبة الإسلام السياسى في مصر والمنطقة العربية، ففتح لهم أبواب تركيا وحدودها ووفر لهم الملاذ الآمن هم وكل الجماعات الإرهابية التى تساعده في تنفيذ مشروعه الواهم في إعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية البائسة، ولم يكتفِ أردوغان بذلك بل إنه قام بالتحريض المباشر على الدولة المصرية في الداخل التركى وفى المحافل الدولية محاولًا النيْل منها، ولكن كانت جهوده كلها تذهب أدراج الرياح.
ومن الخطوات اللافتة التى اتخذها أردوغان في معاداة الدولة المصرية والتحريض عليها، استضافته لمنصات إعلامية إخوانية كل همها انتقاد الدولة المصرية ورموزها السياسية والاقتصادية والفنية، ومحاولة تقويض أركان الدولة المصرية التنفيذية والتشريعية والقضائية، ليحيلوا مصر إلى مكانٍ كبير للفوضى التى يعرفون جيدًا كيفية استغلالها للقفز فوق سِنَام السلطة مرةً أخرى.
وتنفيذًا لهذه الخطة الشيطانية، أصدر هاكان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات التركى في شهر مايو الماضى قرارًا بزيادة رواتب الإخوان الهاربين إلى تركيا من العاملين في قناتى «الشرق» و«مكملين»، وذلك بعد اجتماعه معهم حيث طالبهم بزيادة حدة الهجوم على الدولة المصرية.
ويعتبر معتز مطر أعلى المذيعين أجرًا حيث كان يتقاضى 28 ألف دولار وتم رفعه إلى 35 ألف دولار شهريًا، يليه محمد ناصر الذى كان يتقاضى 26 ألف دولار شهريًا وتم رفعه إلى 30 ألف دولار، ثم حمزة زوبع الذى يحصل على 14 ألف دولار شهريًا بزيادة 3 آلاف دولار، وجمال الجمل من 6 آلاف دولار إلى 8 آلاف دولار شهريًا، بينما تم زيادة راتب سكرتيرة أيمن نور وكاتمة أسراره وزوجته الجديدة دعاء حسن مقدمة برنامج «صباح الشرق» من 9 آلاف دولار إلى 15 ألف دولار شهريًا.
كما أن سلامة عبدالقوى أحد شيوخ الفتنة الموالى للإخوان يتقاضى راتبًا شهريًا يصل إلى 7 آلاف دولار بزيادة ألفيْ دولار، في حين يتقاضى عصام تليمة 5 آلاف دولار شهريًا بزيادة ألف دولار، ويتقاضى أحمد العربى على 6 آلاف و500 دولار شهريًا بزيادة 2500 دولار، كما شمل قرار رئيس جهاز الاستخبارات التركى زيادة رواتب إعلاميين آخرين من الذين دأبوا على تلقى تمويلٍ مشبوه لمناصبة الدولة المصرية العداء، وهو ما يمثل خيانة صريحة للوطن مقابل حفنة دولارات.
ومنذ العام 2013، ظهرت عديدٌ من القنوات الفضائية الموجهة إلى مصر من الخارج (إسطنبول بالأساس بالإضافة إلى لندن والدوحة) تتبنى العداء للدولة المصرية بشكلٍ ممنهج، وتناصر المواقف السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية، وسعت هذه القنوات إلى تقديم خطاب مغاير يعتمد على عدد من البرامج الحوارية التى يتم بثها يوميًا، وفى كل حدث سياسى تتبنى هذه البرامج محاججة واستراتيجيات إقناعية تستهدف بها تقديم خطابها المغاير على نحو يكسب عقول الجماهير.
وتعد هذه القنوات «قنواتٍ مُعادية» لأنها قنوات فضائية ممولة من دول أجنبية وموجهة من الخارج باللغة العربية تتبنى خطابًا عدائيًا ضد الدولة المصرية، ويمثل الخطاب السياسى الذى تقدمه هذه الفضائيات نموذجًا لفهم الاستراتيجيات التداولية التى تنتهجها هذه القنوات بشكلٍ متعمد. من هنا، فإن منح الخطاب السياسي «المُعادى» حقّه من الدراسة والتحليل لأنه يستحق منّا الاهتمام والمجهودات الكافية بدون الاكتفاء بالوصف الظاهر لمحتوى الاتصال أو الخطاب. فمن الأهمية بمكان دراسة لغة الخطاب السياسى الذى تقدمه هذه الجماعات عبر وسائل الإعلام من فضائيات وشبكات تواصل اجتماعي.
وقد تطورت التداولية la pragmatiqu في إطار تطور الفروع المعرفية لعلوم اللسانيات فأصبحت موضوعًا مألوفًا في تحليل الظاهرة الكلامية، حيث تهتم بدراسة الغايات من التواصل وليس مجرد التراكيب والصياغات اللغوية. كما تعدُ دراسة أسلوب الحِجَاج «المُحَاجَجة» بالإضافة إلى أساليب «المغالطة» من المحاور الكبرى في دراسات التداولية، وهى آليات مهمة في تحليل الخطاب السياسي؛ فغالبًا ما يلجأ الإعلامى ذو الأيديولوجية السياسية إلى أساليب المغالطة لتمرير محاولات الإقناع للجماهير، لأنها الأكثر قدرة على تحليل ودراسة الخطاب السياسى الذى تقدمه الفضائيات الموجهة. والخطاب السياسى يمكنه تحقيق غاياته من خلال اللغة، ومن آليات ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر استخدام مقدمى البرامج التليفزيونية الاستعارة والتشبيه والأكاذيب والتلفيق والافتراضات المسبقة وأساليب التجميل والتقبيح.
وثمة دراسة مهمة أعدها د.إيهاب حمدى جمعة المدرس بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعنوانها: «الاستراتيجيات التداولية في تحليل الخطاب السّياسى للقنوات التليفزيونية الفضائية المُعادية». استهدفت الدراسة توظيف أحدث ما جاء في الدراسات التداولية وهو كشف أسلوب المغالطات في الخطاب السياسى باعتباره أقوى الخطابات وأكثرها وقعًا على المتلقي.
وتوصلت الدراسة إلى استخدام عديدٍ من أساليب المغالطات في الفضائيات المعادية مثل التناقض القولى والتناقض الأخلاقى والسفسطائية والمصادرة على المطلوب وغياب المصدر وإثارة المشاعر والشخصنة والكذب
ولمواجهة الخطاب التحريضى والتشكيكى في الفضائيات المُعادية، تُوصى الدراسة بما يأتي:
- ضرورة وضع إستراتيجية إعلامية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب، ويتم استخدام نتائج الدراسات المتنوعة في هذا المجال، وما آلت إليه من توصيات في صياغة هذه الإستراتيجية.
- ينبغى التوسع في إنشاء المراكز البحثية المتخصصة في مجابهة الإرهاب، فلا يمكن أن تظل مجرد مبادرات متنوعة أو اهتمامات بحثية فردية ومستقلة في كل تخصص في السياسة والجغرافيا والإعلام وعلم النفس والاقتصاد والحاسبات، بل ينبغى أن تشتمل كل جامعة مصرية عامة أو حكومية على مركز بحثى متخصص في دراسة الإرهاب بمختلف جوانبه.
- إنشاء مرصد إعلامى متخصص لمواجهة الشائعات والأخبار الكاذبة والمضللة يُصدر تقارير تفضح للرأى العام أساليب المغالطات المستخدمة في الخطاب الإعلامى الموجه من الخارج أيًا كان مصدره أو الجهة التى تتبناه.
- التوسع في تدريس مقررات التربية الإعلامية media literacy التى تمكن الطلاب في مراحل عمرهم المبكرة من التعرف على كيفية انتقاء مصادر الأخبار، والتحقق من صِدْقِيَة الخبر وكيفية اكتشاف المحتوى الكاذب والمزيف بأساليب فنية بسيطة.
- ضرورة مقاضاة الجهات التى تمول هذه القنوات بتهمة استعمال أساليب القرصنة في بث القنوات على ترددات النايل سات وانتهاج الأساليب التكنولوجية لحجب هذه القنوات.
- ضرورة التزام الخطاب الإعلامى الداخلى بالمصداقية والحيادية والدقة والموضوعية وتفعيل مواثيق الشرف المهنية ضد كل تجاوزات إعلامية حتى يكون الإعلام الوطنى إعلامًا يُحتذى به في الرقى الأخلاقى والمهنية الإعلامية ليسحب البساط من تحت أقدام القنوات الموجهة ولا يقدم المادة الخام لمحتواها الإعلامى.
- عدم التردد أو التأخر أكثر من ذلك في المسارعة بإنشاء محطات تليفزيونية فضائية موجهة باللغات التركية والعبرية والفارسية والعربية تقدم المحتوى الترفيهى والإخباري، وتخصص برامج تليفزيونية متنوعة تُعنى بالشأن الداخلى في قطر وتركيا وغيرها من البلدان المُعادية لكشف مؤامراتها على الدولة المصرية، وتعرض وجهة النظر المصرية في مختلف القضايا.