عود على بدء -كما يقال - وما زلنا في أصداء معرض الكتاب الدولى (22 يناير - 4 فبراير 2020 )، وأنا أتأمل مشهد المقبلين من أعمار متفاوتة على شراء الكتب، وبعضهم يجر معه حقيبة سفر (بعجلات) أو حقيبة على الكتف، أستعيد سؤال علاقتنا بالكتاب، وبالقراءة عموما، هل ترصدها مؤسسات الثقافة عندنا، ومنظمات المجتمع المدنى التى عناوينها نادى الكتاب، ونادى القراءة، وجمعيات أصدقاء الكتاب ومنتديات مناقشة ونقد الكتب، ووو... مسميات كثيرة ينشط فيها مهتمون ذوو علاقة على امتداد بلداننا، وبعضه واسطته شاشات فضائية، وصحف، ومواقع على الإنترنت في معارف شتى، هل التدافع على الكتاب في سوقه، والآلاف المؤلفة من قوائم، وفواتير شراء الكتب لا تمنح مؤشرا أن لدينا قراء، وفيهم شريحة من الشباب مثلت فيما تابعت أغلب حضور سوق معرض الكتاب!
معرض القاهرة الذى نزلت أخبار أن جمهوره هذا العام فاق رواده العام الماضى مع توفر وسائل المواصلات العامة لتأمين وصول مرتاديه في ساعات المعرض يوميا، ثلاثة ملايين ونصف تذكرة بيعت (والهيئة المصرية العامة للكتاب وصلت مبيعاتها ثلاثة ملايين جنيه مصري)، هو رقم لافت بالنسبة لمفهوم نخبوية القُراء، على الرغم من وجود آراء لا تراه رقما معتبرا بعاصمة بها أكثر من عشرين مليون مقيم، وأقاليم مجاورة ينزلون لمناسبته، وعرب يلتجئون لمصر في ظروفهم العسيرة أغلبيتهم من ليبيا، وسوريا، والعراق، واليمن وفلسطين، والحاصل أننا في عموم صالات المعرض الأربع شهدنا ازدحاما بل طوابير على دور نشر بعينها، وإن بدا أكثر ازدحاما في يوم عطلتى الجمعة والسبت، ولعل الازدحام تفاوت أيضا فيما عمر به المعرض من حفلات التوقيع، كتاب وكاتبات مصريون (هناك نجوم يلاحقهم الراغبون في التوقيع الشخصى خارج وقتهم المخصص لحفل التوقيع)، كما وكُتاب عرب، وقد دعتنى الكاتبة الصحفية نانا السقا لحفل توقيع كتابها الذى يمثل مختارات من مقالاتها بمقدمة للمؤلف وكاتب السيناريو وحيد حامد، وعلى ظهر الغلاف أسطر تقديرية لجهدها ولتوثيقها من الروائى إبراهيم عبدالمجيد، وكان حفل توقيع الإعلامية بسنت عثمان لأول رواية لها «معالى الوزيرة» عامرا بحضور شخصيات من سلك الثقافة والأدب.
ورغم غياب دور النشر الليبية التى عادة ما تداوم على الحضور والمشاركة وعلى رأسها الحكومية، والدور الخاصة كدار الفرجاني، والمكتبة العلمية العالمية بطرابلس، ومكتبة برنتيشي، والساقية من بنغازي، لظروف الاحتراب مؤخرا، غير أن من حضروا أوجدوا جوا من التفاعل الثقافى عبر توفير الإصدارات قديمها وحديثها لدور غابت، وتواجد كتاب وأدباء مقيمون بالقاهرة، ومن داخل الوطن: الكاتب والروائى صالح السنوسي، الشاعرة القاصة والصحفية رحاب شنيب، الشاعر سراج الورفلي، وخارجه: الكاتب عبدالسلام الزغيبي، والروائى محمد الأصفر، وبمداخلاتهم عبر البث المباشر لقناة النيل الثقافية، ونشاط توقيع الكتب ومنها: كتاب المستشار الإعلامى لمجلس النواب فتحى المريمي، وأمسية أعدها محبو الشاعر الراحل محمد عيد، وندوة بإشراف الهيئة العامة للثقافة التابعة للحكومة المؤقتة حول كتاب يتناول برؤية ذاتية الأوضاع في ليبيا.
وللسنة الثانية على التوالى حظيت إصدارات مؤسستى ميادين، والوسط الليبيتين باقتنائهما من مكتبة الكونجرس، والجامعة الأمريكية، ومنظمة المرأة العربية، في التفاتة إلى المنتج الثقافى والفكرى الليبى الذى شهد انفراجا ما بعد فبراير 2011، في نشاط عام لافت لدور الطباعة والنشر المستقلة على مستوى ليبيا، إذ غابت الرقابة والحظر ومنع التداول التى سببه التأويل، وانتظار الموافقة على النشر لسنوات طويلة لمن يقدمون كتبهم للجان الإصدار الحكومي، وفيما صدر مؤخرا ما يشير إلى أدب جيل شبابى كمُنتج نوعى في الشعر، والقصة، والراوية، وأدب سجون، وأدب حرب - إن صح التعبير- لمن كان جنودا في حروب تدخلات النظام السابق (أواخر سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي)، وكان لافتا أيضا الزخم في تلك الإصدارات الخاصة الذى يحتاج رصدا مع هذا السنوات العشر الذى يخوض متغيرها العسير مع الناس نخبة مثقفى ليبيا ويقاومون فيها بالكلمة والرأى (المدونة) للحال الراهن بكل تداعياته، كما وعينهم على المستقبل.