منذ أن انتشر فيروس كورونا أو الفيروس التاجى أو فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وأضحت ردود الفعل متفاوتة ما بين استهتار واندهاش وخوف وترقب وتساؤلات حول مستقبل الصين الاقتصادى بل مستقبل العالم بعد إغلاق كبرى مصانع تصنيع الهواتف المحمولة ومكوناتها الدقيقة مصانعها وأهمها «آيفون» ووقف رحلات الطيران وغيرها من التداعيات التى أدت إلى إغلاق المتاجر ودور السينما البالغ عددها 11 ألف دار عرض مع خسائر بالمليارات.
يأتى الفيروس الفتاك في أعقاب حرب باردة مصغرة دارت رحاها بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وبالرغم من انتهائها بإعلان اتفاقية جديدة عقدها رجل الصفقات دونالد ترامب إلا أن نظرية المؤامرة تلف ظهور فيروس كورونا في هذا التوقيت مؤشرة بأن الصين قد تكون وقعت في فخ ثوسيديديس الذى لطالما حاولت تلاشيه.
هذا الفخ الذى تحدث عنه المؤرخ الإغريقى ثوسيديديس (460 ق.م. – 395 ق.م.) عن الحرب بين أثينا وأسبرطة في القرن الخامس قبل الميلاد، في كتابه الشهير «تاريخ الحرب البلوبونيزية»، والذى صرح الرئيس الصينى لصحيفة هافينجتون بوت الأمريكية عام 2014 أن الصين تتجنب الدخول في صراعات «يجب علينا جميعا أن نسعى لتجنب الوقوع في فخ ثوسيديديس»، وهو بالفعل ما فعلته أمريكا والصين بتجنب الحروب العسكرية طوال أكثر من عقدين لكن يبدو أن للحروب وجوها أخرى نرى منها الحروب المعلوماتية واليوم نرى حرب الأوبئة!
فالصين التى نجحت في الخروج من بئر الفقر بل وانتزعت الحلم الأمريكى الذى راود أجيال حول العالم لعقود طويلة وجعلت بوصلة المراهقين تتجه للصين للعمل والدراسة وتفوقت في مجال الذكاء الاصطناعى وغيره من المجالات، وأوشكت أن تهدد الاقتصاد الأمريكى.. ووفقا لفخ ثيوسيديديس فان الدول الناهضة عادة ما تقع في هذا الفخ نتيجة المنافسة والصراع على الهيمنة.
ونتيجة هذا الفيروس دخلت مدن بأكلمها في حجر صحى كبير وبات الموت يمثل ذروة الصراع الدراماتيكى للعملاق الصينى فهو يحصد مئات الأرواح يوميا في بلد اشتهر بالمعمرين، والسيناريو الديستوبى الذى نراه يزداد سوداوية ساعة تلو أخرى، لكن بالرغم من كل التداعيات التى فرضها الفيروس المتوحش تأتى قسوته في تفريق الأحباب وتسليطه الضوء على معانى الحب في زمن الكورونا، فهناك فيديو مؤثر لسيدة أمريكية لا تعرف سبيلا للعودة لأمريكا بعد أن رفضت الحكومة جلب مواطنيها، وأجرت «سى إن إن» حوارا معها عبر الإنترنت كانت فيه تبكى كونها تود العودة لرعاية والدتها المسنة التى تبلغ 88 عاما، لكنها تخشى حال عودتها أن تكون ناقلة للفيروس وتكون هى السبب في موتها، وتنهمر في البكاء.. والفيديو الأكثر شعبية الخاص بزوجين مسنين في غرفة العناية المركزة والزوجة تحتضر ويرافقها الزوج ممسكا بيدها.. هذه المقاطع الغامرة بمعانى «الإيثار» ذكرنى على الفور بفيوليتا بطلة أوبرا «لا ترفياتا» الشهيرة لفيردى، فهى تهجر حبيبها خشية عليه مفضلة أن تتألم وتحتضر بمرض السل بعيدا عنه، وهى في الأصل قصة ألكسندر دوماس «غادة الكاميليا» لكن فيردى أحب أن يلحنها كأوبرا فطلب من الكاتب فرانشيسكو ماريا بيافى صياغتها في قالب شعرى وكتب فيردى لحنها الأوبرالى عام 1853، هذا النوع من الحب الذى توارى في زمن تتحكم فيه التكنولوجيا فلم نشاهد مشاهد أحباء فرقهم «كورونا»!! أو روميو يبث حبه لجولييت حتى ولو عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن الحب الرومانسى اختفى وحل محله الحب العقلانى في زمن أصبح فيه الحب سلعة للاستهلاك وبات الحب يتمثل في رسالة نصية أو إشعار «ايموجي» عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما تنبأ به الفيلسوف البولندى زيجمونت باومان في كتابه Liquid Love « الحب السائل.. عن هشاشة الروابط الإنسانية» عن هشاشة العلاقات وتخلخل قيمة ومعنى الحب في عصر تتحكم فيه الأرباح وتقيد أنماط الاستهلاك الإنسان وتتلاعب بمعانى السعادة والاستقرار.
بينما استوقفنى أيضا الفيديو الخاص بالممرضة التى تعانق ابنتها افتراضيا وعن بعد خشية أن تنقل لها عدوى، والفيديو الذى صور من خارج السفينة البحرية المحتجزة قبالة سواحل اليابان، عقب اكتشاف حالات مصابة، يقف فيها مواطن يابانى من شرفة إحدى طوابق السفينة يتحدث لأحد أقاربه عبر محادثة فيديو يراه ويتحدث معه ويقول له أنا أمام بلدى ولا أستطيع الولوج إلى موطنى! أنا عالق هنا ولا أعلم مصيرى!
لكن برغم كل شىء الصين تؤكد في تصريحات رسمية أنها تتصدى للمرض ومع ارتفاع الوفيات تعلن عن نسب للشفاء والتعافى والسيطرة عليه إلى جانب سعى حثيث لإنتاج لقاح مع بناء لمشافى ومصحات في أيام، فالشعب الصينى هو أكثر الشعوب تقديما لبراءات الاختراع وقوة البحث والتطوير فات المعدلات العالمية، وأتصور إذا ما استمر كورونا واستفحل ربما سيجد الصينيون وسائل لنقل مشاعر الحب كما فعل المهندس البريطانى كيفن وارويك في نقل مشاعر زوجته عبر جهاز موصل بجهازها العصبى لتصله هذه المشاعر عبر الإنترنت!
تغير شكل الحب بتغير طرق تعاطيه وهناك أبعاد معيارية للحب تتشكل وفقا لأيدلوجيات متعددة، وللحب وجوه كثيرة كشفها فيروس كورونا.
الحب باق ببقاء الحياة.. والحب يستهين بالموت كما قال الفيلسوف فرنسيس بيكون، ومثلما تعاطف العالم كله مع ووهان بعد بث فيديو « كونى قوية ووهان» الذى يصور صيحات سكان ووهان بوسط الصين من منازلهم جراء حجر صحى حول منازلهم لسجون لهم، نقول للصين «كونى قوية» فوحده الله يعلم لو كان مثل هذا الفيروس في أى منطقة في العالم لاستفحل أمره وانتشر كالنار في الهشيم!
مصر قدمت مثالا عظيما على التكاتف الدولى في وقت المحن بمد الصين بالمسلتزمات الطبية وأيضا موقف بيل جيتس وزوجته ميليندا بالتبرع ب100 مليون دولار للتوصل لمصل للكورونا، وأيضا يجب أن نشيد بمبادرة الإعلامى المصرى المقيم بالصين محمد أسامة وصاحب الشعبية الكبرى هناك الذى طلب من متابعيه العرب تسجيل مقاطع فيديو تضامنا مع الشعب الصيني، وهذا وجه آخر من الحب.