في ظل بحثى عما أقدمه لكم هذا الأسبوع، وفى محاولة لأخذ راحة بسيطة أو لنسميها هدنة محارب من السياسة ومتاعبها، جال في خاطري سؤال مهم يشغل الكثيرين، ما هو الشيء الأهم الذي يمنع معظم الناس من النجاح؟.. كلا، ليس الذكاء أو الجد في العمل كما قد يجيب الكثير.. نعم، إنها العقلية.
هل يبدو لك هذا الكلام كالذى كان يردده والديك عندما كنت في سن المراهقة؟ هذا ما أحسسته أنا أيضًا، لكن الخبراء والباحثين ظلوا يرددون نفس الشيء مرارًا.
فالقول بوجود حرب من أجل ضم الموهوبين مجرد خرافة، وكما يقول عبقرى التسويق سيث جودين إنها في الحقيقة حرب من أجل أصحاب العقلية المناسبة، فهى ليست بحثًا عن الموهوبين بل عن العقلية، فهناك العديد من الوظائف التي لا تتطلب إلا بعض المهارات البسيطة، لكن حتى في هذه الحالة، ما يميز الناجحين هو العقلية.
وإذا ما ذهبنا إلى جامعة هارفارد لنعرف ما هو الشيء الأهم الذى تخبر طلابها أن عليهم عمله عند التفاوض على الراتب؟
سنجد أن الشيء الأهم هو أن تجعلهم يحبونك، هذا هو الأساس. إذا قمت بأشياء تقلل من حبهم لك، سيكون من الصعب أن تحصل على ما تريد.
أنا لا أقول أن العقلية هى كل شيء فهناك بالطبع الخبرة، والتعليم، وعدة عوامل أخرى ومع هذا ستتفاجأ عندما تعرف كم هو صغير تأثير هذه الأمور مقارنة بالعقلية.
وهنا قد يسأل سائل وماذا إذًا عن العمل الجاد؟
حتى هذا أهميته مبالغ فيها وكما يشرح البروفسور في جامعة ستانفورد جيفرى بفيفر أن الأداء هو بالكاد ما يحدد من سترتفع مكانته في العمل.
«تظهر البيانات أن الأداء لا يلعب دورًا كبيرًا في تحديد ما سيحصل للموظفين في الشركات، أى أن إنجازاتك ليست هى ما يحدد تقييمك أو بقاءك في عملك أو احتمال ترقيتك».
فالداراسات تظهر أن كونك محبوبًا يؤثر على أدائك أكثر بكثير من أدائك نفسه. ففى دراسة تجريبية على تقييم أداء الموظفين، وجد أن الأشخاص الذين تركوا لدى الآخرين انطباعًا جيدًا عنهم كان تقييم أدائهم في العمل أعلى من أولئك الذين لم يتركوا انطباعا جيدًا مع أن «أداءهم كان بالفعل أفضل».
وعليه فإذا وجدت نفسك تقول دائما أنا على صواب والآخرون مخطئون، اعرف عندها أن لديك مشكلة في عقليتك.
من الأمور الجوهرية أيضا التى توصل لها الباحثون أن الأشخاص الذين لديهم عدد أكبر من الأصدقاء في العمل يكون أداؤهم أفضل، فقد أمضى الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عامًا كاملًا يتابعون 2600 موظف من شركة آى بى إم، مراقبين صِلاتهم الاجتماعية، مستخدمين صيغًا رياضية لتحليل مدى كبر دفتر عناوين وأرقام الهاتف الخاص بهم وعدد أصدقائهم، فوجدوا أن الموظفين الاجتماعيين أكثر، هم الأفضل أداءً. بل وأكثر من ذلك، كان بإمكان الباحثين أن يحسبوا الفرق فكل عنوان بريد إلكترونى لدى الموظف يضيف عائدًا قدره 948$ للشركة، لهذا فالمقياس الأفضل لنجاح الفريق ليس مدى ذكاء الفريق أو الجهد الذين يبذله بل الطريقة التى ينظر كل عضو فيه للآخر.
فكلما كنا على ارتياح في علاقاتنا في العمل، كلما كنا فاعلين أكثر. فالأمر لا يتعلق «بالعدل» بل «بالثقة».
لا تصرخ قائلا إن هذا أمر غير عادل فالحياة لا تقوم على مبادئ الأجدر كما هو الحال في المدرسة.
المدرسة تغلف رأسنا أما في الحياة العملية، فبالكاد تجد امتحانا يقيمك كفرد مستقل، ويمنحك درجات بناءً على أدائك. في النظام التعليمي، التعاون يسمى غشًا، أما في العمل، فهو الطريقة الأساسية لإنجاز العمل.
وفى أى شيء قائم على التعاون هناك دائمًا مشكلة ثقة، هل تثق الشركة أنك تقف في جانبها؟ هل يثق قادة الشركة أنك على تفاهم معهم وأنك على دراية تامة بأهداف الشركة ومهمتها التى وجدت من أجلها؟
قد لا تكافئك الشركة مقابل العمل الشاق الذى تنجزه لكن البحث أظهر أن من يؤمنون بالشركة هم من سينجحون.
أظهرت دراسة نشرت مؤخرًا أن الموظفين الذى يؤمنون بصدق بالمهمة التى وجدت من أجلها المنظمة يكون احتمال تطورهم بالشركة وتحولهم لمؤثرين فيها أكبر من غيرهم كما أن هؤلاء الذين يظهرون إيمانًا قويًا بما ترمز له العلامة التجارية لشركتهم يصبحون مؤثرين أكثر، بينما سيبقى أولئك الذى يأتون فقط لإكمال ساعات العمل لاعبين ثانويين، بغض النظر عن تقييم الشركة لهم أو أدائهم العام.
سيثيا شاريبو، أخصائية موارد بشرية سابقًا، تشرح بشكل جميل كيفية سير الأمور:
كلما أظهرت أن أداءك وأفعالك وخياراتك تتماشى مع الشركة، سيكبر شأنك في الشركة، وستضمن البقاء في عملك، كيف ستعرف ذلك؟ الأشخاص الذى يلقون الثناء والتمييز والترقيات هم الأشخاص الذين ترى الشركة أنهم يتماشون مع الشركة، حتى لو لم يكونوا أكثر الموظفين مهارة.
تتخلى الشركات كل يوم عن الكثير من الموظفين المهرة مهما كانت قيمتهم للشركة، لأن الشركة ترى فيهم خطرا ولا تستطيع الوثوق بهم وعلى العكس، تتم ترقية الكثير من الموظفين ممن ليس لديهم مهارات كافية لأداء العمل، وممن تحتاج الشركة لتعليمهم كيف يقومون بالعمل، وما قد يكلف الشركة مالًا ووقتًا كل ذلك فقط لأن الشركة ترى أنهم يتماشون مع الشركة، ويمكن الوثوق بهم أكثر من الآخرين.
و بعد كل هذا ما الذى عليك فعله الآن صديقى القارىء؟
هناك جملة شهيرة قالها دون كيشوت، إذا أردت أن تصبح فارسًا، تصرّف كالفارس.
وإذا أردنا تطبيق هذه المقولة على واقعنا في العمل أقول لك كن الشخص الذى كنته في مقابلة التقدم للعمل.
كان ذلك الشخص الذى وظفته الشركة. كان ذلك ما تمنّوا أن يحصلوا عليه مقابل مالهم، كنت إيجابيا، ومتحمسًا، ومستعدًا جدًا، ومتمنيًا نيل الرضا، فماذا تريد أى شركة أكثر من ذلك.
في النهاية أرجو أن أكون قد نجحت في إيصال الفكرة لمن يقرأ هذا المقال في محاولة للتدبر والتفكير الواقعى بعيدا عن الكلام المنمق عن النجاح والتميز عسى أن تكون روشتة للتكيف مع الواقع والوصول للنجاح المأمول.