تاريخ المفاوض والسياسى المصرى تاريخ ناصع ومشرف، يشهد به القاصى والدانى، ولعل مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل، وما نتج عنها من اتفاقية السلام بينهما في ١٩٧٩ في كامب ديفيد برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، كانت دليلًا قاطعًا على قوة وكفاءة المفاوض والسياسى المصرى، حيث اعترفت إسرائيل وقتها بقوة وحجية المفاوض المصرى خلال المباحثات تمهيدًا للانسحاب من الأرض المصرية المحتلة قبل عدوان ١٩٦٧، وفى نهاية المطاف تم التحكيم الدولى على آخر قطعة أرض مصرية محتلة وهى «طابا»، حيث قدم المفاوض المصرى الأدلة الدافعة على أن طابا أرض مصرية محتلة من قبل العدو الإسرائيلى، وهو ما تم الحكم به من قبل التحكيم الدولى.
وبعد ثورة الشعب الفريدة في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وسقوط الحكم الفاشى الدينى والإرهابي للإخوان، بفضل مساندة الجيش والشرطة لثورة الشعب، كانت الصورة في مصر ضبابية والحقيقة مشوهة بفضل شائعات وافتراءات أهل الشر وأعوانهم في ذلك الوقت في الولايات المتحدة وإيران وتركيا وقطر، حتى إن بعض الدول الأوروبية رفضت منح مصر السلاح للشرطة لمواجهة إرهاب الإخوان، واستطاعت مصر السيسي خلال ٤ سنوات من شرح حقائق ما حدث في مصر بفضل قوة ومصداقية المفاوض والسياسى المصرى أن توضح الصورة الحقيقية للتنظيم الإرهابى للإخوان، وهو ما أكسب مصر وقائدها احترام وثقة الدول الأوروبية والصين وروسيا والهند واليابان وكل مؤسسات المجتمع الدولى. ونظرًا للتحديات والمؤامرات التى واجهت مصر بعد الثورة رأت القيادة السياسية والعسكرية ضرورة تطوير قدرات وإمكانات القوات المسلحة برًا وبحرًا وجوًا، وهو ما تطلب تنويع مصادر السلاح، وساندت مصر في ذلك الدول الأوروبية والصين وروسيا، وأصبحت القوات البحرية تمتلك أسطولين عسكريين بحريين في شمال المتوسط وجنوب البحر الأحمر، وتم تزويدهما بأحدث القطع البحرية من فرقاطات وحاملة الهليوكوبتر الفرنسية «الميسترال» والغواصات الألمانية طراز «٢٠٩- ١٤٠٠» وفرقاطات ولنشات صواريخ متطورة لتأمين وحماية مصالحنا البحرية وأهدافنا الاقتصادية، بالإضافة إلى أحدث المقاتلات الجوية الروسية والفرنسية وتحديث منظومة الدفاع الجوى، واشتملت منظومة القوات الجوية بمقاتلات رافال الفرنسية وميج ٢٩ الروسية والآباتشى وإف ١٦ الأمريكية... وأخيرًا إنشاء قاعدتى محمد نجيب وبرنيس العسكريتين لحماية الحدود الغربية والسواحل الجنوبية المصرية، وبفضل الله سبحانه وتعالى أصبحت مصر تمتلك قوة ردع ضد كل من تسول له نفسه الاعتداء على مصر وأمنها القومى. وبفضل قوة وإرادة المفاوض والسياسى المصرى أصبح لمصر كلمة مسموعة في العالم والمحتمع الدولى، وكل التجمعات العربية والأفريقية والدولية التى شهدتها القاهرة خلال السنوات الأخيرة، تؤكد أن مصر استردت قوتها وعافيتها وريادتها بفضل المفاوض والسياسى المصرى، وقد أكدت القضايا التى مرت بمصر أنها تمتلك الرؤية الثاقبة والعميقة وحكمة ومصداقية القرار السياسى المصرى ولدينا ٣ أمثلة لهذه القضايا:
١- القضية الأولى: مفاوضات سد النهضة، وبذلت فيها مصر جولات شاقة مع السودان وإثيوبيا للحفاظ على حقوق مصر المائية، وكان رد المفاوض المصرى على لسان الرئيس السيسي: «إذا كانت مياه النيل قضية تنمية لإثيوبيا، فهى قضية وجود بالنسبة لمصر»، وفى المفاوضات التى تمت بواشنطن، أقر وزراء خارجية الدول الثلاث على خطة ملء سد النهضة والتوافق على آليات التعامل مع الجفاف والسنوات الشحيحة للفيضان أثناء التشغيل والتوقيع نهاية فبراير الحالى في واشنطن.
٢- القضية الثانية: وهى خاصة بتسوية الأزمة الليبية في اجتماع برلين الذى ضم مع مصر ١٢ زعيمًا وممثلي ٥ منظمات لبحث الأزمة الليبية واستماع القادة لرؤية مصر السيسي من أجل دعم جهود «الأمم المتحدة» لإحلال السلام في ليبيا وتفعيل حظر السلاح ومساندة الجيش الوطنى الليبى في مكافحة الإرهاب وتسوية الأزمة سياسيًا والحفاظ على الدولة الوطنية الليبية والأمن القومى المصرى والعربى.
٣- القضية الثالثة: فكانت القضية الفلسطينية بعد إفصاح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عما أسماه: «صفقة القرن» فقد أعلنت مصر موقفها بوضوح في لقاءات مصر الثابت تجاه حل القضية الفلسطينية من خلال إقامة دولة مستقلة ذات سيادة على الأراضى الفلسطينية المحتلة وفقًا للشرعية الدولية ومقرراتها.
وفى لقائه مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن» أكد الرئيس السيسي على ضرورة المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل التوصل إلى تسوية شاملة تنهى معاناة الشعب الفلسطيني واستعادة كامل حقوقه المشروعة. هكذا نجح المفاوض والسياسى المصرى في كل القضايا التى واجهتها مصر، بفضل مصداقية وقوة السياسة المصرية بعد ثورة ٣٠ يونيو وبفضل مؤسسات الدولة المصرية وحكمة وحنكة قائد مصر، رست سفينة الوطن إلى بر الأمان.