تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
[email protected]
استمعت باندهاش لهتافات ترتفع مطالبة بتطهير القضاء؛ وتذكرت أنني قد كتبت في 11 أغسطس 2007 مقالا بعنوان “,”قانون تعيين الأقارب“,” ذكرت فيه كيف أن القلوب قد أحاطت بقضاتنا يرتدون أوشحتهم متظاهرين محتجين على ما يرونه تزويرا أو انتهاكا للحريات العامة أو تحذيرا من مغبة التوريث, ولقد كنت ضمن المشفقين على هيبة القضاء وحياد القضاة من الانخراط في شأن سياسي جماهيري عام بما قد يدفع جماهير المتقاضين إلى تصنيف من يعتلون منصة القضاء إلى “,”قضاة وطنيون“,” و قضاة ليسوا كذلك؛ وما قد يترتب على ذلك من تأثير على طمأنينة المتقاضي لقاضيه، ولكني كنت أعلل نفسي بأن قضاتنا ربما رأوا أن الخرق قد اتسع على الراتق ومن ثم لم يجدوا أمامهم سوى تقدم صفوف المطالبين بالعدل والنزاهة والمساواة.
وأبديت في نفس المقال اندهاشي من أن بعض القضاة يحتجون على عدم العدالة في تعيين أقاربهم في تلك الوظائف, وكيف أن وزير العدل آنذاك قد انحاز ضد أقارب قضاة مجلس الدولة, واكتملت الصدمة حين قرأت ما ينفي تلك الشبهة عن السيد الوزير، مؤكدا أنه راعي العدل في توزيع غالبية وظائف الوزارة على أقارب الدرجة الأولى من القضاة دون تمييز مع تخصيص قدر من تلك الوظائف لذوى الاحتياجات الخاصة والمواطنين من غير أقارب السادة القضاة.
لقد أشرف رجال الهيئة القضائية عام 2005 على الانتخابات التي أتت بكتلة من الإخوان المسلمين إلى مجلس الشعب؛ ولكن المستشارة الشجاعة نهى الزيني أدلت بشهادتها عن تزوير نتائج إحدى الدوائر بمعرفة عدد من القضاة ونشرت التفاصيل كاملة في جريدة المصري اليوم بعددها الصادر يوم 24 نوفمبر 2005، وقد دعم السيدة المستشارة في موقفها الشجاع نخبة من قضاة مصر منهم السيد المستشار محمود الخضيري، رئيس نادي قضاة الإسكندرية آنذاك، والسيد المستشار عاصم عبدالجبار، نائب رئيس محكمة النقض آنذاك، والسيد المستشار هشام البسطويسي، نائب رئيس محكمة النقض، والسيد المستشار أحمد مكي رئيس اللجنة العامة لمتابعة وتقييم الانتخابات بنادي القضاة.
وكان المتوقع أن يتم التحقيق في تلك الاتهامات ولكن كل شيء طواه النسيان ومضت السنوات وقامت الثورة، وكان المتوقع أن تبادر آنذاك جماعة الإخوان المسلمين وبقية قوى الثورة بالمطالبة بمحاسبة القضاة الذين اتهموا بتزوير الانتخابات؛ ولكن الجميع آثر الصمت.
وجرى الاستفتاء على الإعلان الدستوري وعلى انتخابات مجلسي الشعب والشورى وعلى انتخاب رئيس الجمهورية، جرى كل ذلك تحت الإشراف المباشر لجموع القضاة الذين لم يعلن أحد عن استبعاد بعضهم، بل أشاد الجميع وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين بنزاهتهم وتجردهم، والجميع يعلم بطبيعة الحال أن من بين هؤلاء تلك القلة التي حامت حولها الشبهات، وأن تعيين القضاة جميعا وتحديد سن المعاش لهم كان يجري وفقا لما قرره نظام مبارك.
والسؤال هو: أليس واردا والصيحات تتعالى مطالبة بتطهير القضاء أن يرتفع صوت “,”مغرض“,” ليشكك في نتائج الانتخابات الرئاسية؟ أليس واردًا أن يرتفع صوت “,”مغرض“,” ليتساءل ترى أليس من المحتمل أن يكون بعض القضاة النافذين قد جاملوا السلطة القائمة آنذاك كما فعلوها في زمن مبارك فأخرجوا النتيجة كما تصوروها مرضية لتلك السلطة؟
ترى متى اكتشفت جماعة الإخوان المسلمين فساد القضاة ومن ثم دفعت بجماهيرها مطالبة بتطهير القضاء؟ ألم يدر في خلد أحد أن في ذلك إحراجا للسيد الرئيس شخصيا بل وتطاولا على شرعية الرئاسة؟