الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ليبيا.. أردوغان في مصيدة أحفاد عمر المختار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت الأزمة الليبية خلال اليومين الماضيين تطورات سياسية وعسكرية لافتة، تؤكد أن الجيش الوطنى الليبى إلى جانب مجلس النواب يخوضان حربًا على الصعيد السياسى ضد راعى الإرهاب الدولى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لا تقل ضراوة عن الحرب التى تخوضها قوات الجيش في الميدان ضد ميليشيات حكومة السراج وعصاباته الإرهابية في طرابلس ومصراتة وما تبقى من مدن الغرب الليبي.
وكما نجحت كتائب القوات المسلحة الليبية في إطباق الحصار على الجماعات الإرهابية سواء في العاصمة طرابلس، أو في مدينة مصراته؛ تمكن كل من الجيش الليبى ومجلس النواب منذ إعلان قبول الهدنة في الثانى عشر من يناير الماضي، من فرض طوق سياسى على أردوغان، بفضحه أمام العالم، وكشف استراتيجيته التى تقوم على إدارة مصالح بلاده عبر شبكة مُعقدة من التنظيمات الإرهابية، تعمل في إطارها كل تنظيمات الجماعات الإسلامية الإرهابية، بدءًا من تنظيم جماعة الإخوان مرورًا بالقاعدة وداعش. 
استراتيجية التطويق والحصار لم تقتصر على العدو التركى والإخوانى المباشر؛ فقد امتدت أيضًا لتشمل ما يُسمى بالمجتمع الدولي، مُمثلًا في المبعوث الأممى إلى ليبيا غسان سلامة، لتقييد تدخلاته التى تعمل على إبقاء حكومة السراج الموالية لتركيا وتنظيم الإخوان في المعادلة السياسية الليبية.
وقد كشف اللواء أحمد المسمارى، المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة الليبية في المؤتمر الصحفى الاستثنائى الذى عقده مساء الاثنين الماضى، عن جانب من تلك الإستراتيجية عندما أعلن أن سلاح البحرية الليبى لم يعترض البوارج والسفن التركية المُحملة بضباط الجيش التركى والمرتزقة السوريين علاوة على الأسلحة والمعدات العسكرية لتعرية الإرهابى أردوغان وكشف حقيقته أمام العالم، وكيف أنه نقض كل تعهداته بعدم التدخل في الشأن الليبى التى وقع عليها في مؤتمر برلين، وقد وثقت الاستخبارات الفرنسية واليونانية، تلك الخروقات.
وسياسيًا شهدت جنيف أول اجتماعات اللجنة العسكرية المعروفة باسم 5+5 والمُشكلة من قادة عسكريين يُمثلون الجيش الليبي، وميليشيات السراج، بإشراف وإدارة المبعوث الأممى غسان سلامة الذى اجتمع بكل وفد على حدة؛ حيث لم تجر مفاوضات مباشرة بين الجانبين، وصباح الثلاثاء الماضى أعلن سلامة موافقة الجانبين على تطوير الهدنة لتصبح وقف دائم لإطلاق النار، وأنه جار عرض شروط كلا منهما للتوصل لهذا الاتفاق.
وفى رأيى أن الوفد المُمثل للجيش الوطنى الليبي، يمتلك العديد من أوراق الضغط القوية التى تُمكنه من فرض شروطه على طاولة المفاوضات، أو فضح ممثلى حكومة الميليشيات حال رفضهم تلك الشروط؛ أولى تلك الأوراق كان إعلان الجيش الليبى في 12 يناير الماضى الموافقة على بدء الهدنة رغم أنه الطرف الأقوى من الناحية العسكرية، بما يمتلكه من قوة ضاربة، علاوة على تمكنه من الدخول في أغلب أحياء العاصمة، وتمركز قواته على مسافة 2 كم فقط من مكتب الميليشيوى فائز السراج.
وثانى تلك الأوراق موافقة المشير خليفة حفتر على الذهاب إلى موسكو للتوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار لولا الحضور التركى الذى أفسد الاجتماع بتدخلاته السافرة، ثم ذهابه إلى برلين رغم علمه المسبق أن أردوغان لن يلتزم بتعهداته.
وتتجسد ثالث أوراق الضغط في مشاهد البوارج الحربية التركية التى أفرغت حمولتها من المرتزقة والمعدات العسكرية، وأسطول الطائرات الذى لم يتوقف بين اسطنبول ومطارى مصراتة ومعتيقة لنقل آلاف المرتزقة السوريين الذين بلغ عددهم 6000 مرتزق من بينهم 1500 ينتمون إلى ما تُسمى بجبهة النصرة تم وضعهم على الحدود الليبية التونسية، إضافة إلى احتلال القوات التركية لقاعدة معتيقة واستخدامها في إدارة هجمات المرتزقة ضد قوات الجيش الوطنى الليبى منذ إعلان الهدنة وحتى الآن.
بموجب تلك الأوراق وحقائق الوضع العسكرى التى تؤكد أن الجيش الوطنى الليبى هو الطرف المنتصر يستطيع ممثلوه فرض شروطهم والتى تتمثل كما سبق وأن أعلنها الجيش الليبى في طرد جميع المرتزقة والضباط الأتراك وتفكيك الميليشيات ونزع أسلحتها ومحاربة العناصر الإرهابية وتطهير البلاد من شرورها.
في المقابل ليس من المنتظر موافقة الخمسة المُمثلين لحكومة العصابات الإرهابية برئاسة فائز السراج على شروط الجيش الليبي؛ فهم في الحقيقة يمثلون مصالح راعيهم التركى أردوغان، الذى لم يرسل كل تلك الآلاف من المرتزقة وأطنان الأسلحة والذخائر ليعود بهم مرة أخرى إلى إدلب السورية التى لم يعد بها مُتسع لاستيعاب هؤلاء المرتزقة بعد نجاح الجيش العربى السورى فعليًا في تطهير أجزاء كبيرة ومهمة منها واستمراره في عملية تحريرها.
ولأن أردوغان ذهب بمرتزقته الأتراك والسوريين إلى طرابلس ليقاتل الشعب الليبى ويشيع الفوضى لهثًا وراء حلم إحياء الخلافة العثمانية، ليس من مصلحته توصل لجنة 5+5 العسكرية إلى أى اتفاق من شأنه تطوير الهدنة أو حتى إطالة أمدها، ويبدو أن أحد أطراف اللجنة المُمثلة لحكومة الميليشيوى فائز السراج قد سرب في وقت متأخر من ليلة الاثنين الماضى أو فجر الثلاثاء معلومات تفيد بموافقة الخمسة العسكريين المُمثلين للجيش الوطنى الليبى على تحويل الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار وهو؛ ما أعلنه غسان سلامة لاحقًا ظهر الثلاثاء، بينما رفض الإفصاح عنه اللواء أحمد المسمارى أثناء انعقاد مؤتمره الصحفى الاستثنائي؛ حيث قال لا توجد معلومات بشأن مباحثات لجنة 5+5 في جنيف.
واستباقًا لإعلان سلامة فوجئ الجميع بالإخوانى صلاح بادى قائد لواء الصمود المُدرج على قوائم عقوبات مجلس الأمن والولايات المتحدة، يُعلن انقلابه على الهدنة ودعوة جميع العناصر والجماعات الإرهابية في طرابلس ومصراتة للاحتشاد استعدادًا لجولة جديدة من القتال ضد الجيش الوطنى الليبي.
وفى ظنى أن إعلان بادى جاء وفق تعليمات تركية فهو أحد القيادات الإخوانية الليبية البارزة، وكان أبرز المؤسسين لميليشيا فجر ليبيا التى دمرت مطار طرابلس الدولي، وارتكب العديد من المجازر كان آخرها في أغسطس 2018 حيث قُتل نحو 180 مواطنًا مدنيًا ليبيًا.
في سياق متصل أعلن مجلس النواب الليبى الثلاثاء الماضى شروطه للمضى في المسار السياسى ودخول مفاوضات جنيف المزمع انعقادها بعد أسبوعين بحسب غسان سلامة، وتتلخص في أن مجلس النواب هو من سيختار مُمثليه في مباحثات جنيف تحت قبته، وليس المبعوث الأممي، وأنه صاحب الكلمة الأخيرة في الموافقة على قائمة الـ14 التى سيختارها غسان سلامة من بين السياسيين والنشطاء والشخصيات العامة الليبية، مؤكدًا ضرورة عرض تلك القائمة عليه أولًا، ليبحث ما كان سيقرها أم لا، كما اشترط مجلس النواب وضع أجندة الاجتماعات وتحديد آلية ومدى زمنى للتوصل إلى اتفاق، وعدم مساواة عدد من يمثلون مجلس النواب بمن سيمثلون المجلس الاستشاري؛ أى زيادة ممثلى البرلمان الليبى لأكثر من 13 عضوًا وهو الرقم الذى حدده المبعوث الأممى غسان سلامة، كذلك اشترط البرلمان الليبى عدم إقرار أية حكومة جديدة إلا بعد إقرارها تحت قبته.
هذه الشروط الخمسة تعمل على تطويق غسان سلامة ومساعيه الدائمة للإبقاء على حكومة السراج الميليشياوية وتنظيم جماعة الإخوان كفاعلين أساسيين في أية تسوية سياسية؛ حيث ينتمى الـ13 عضوا المُمثلين للمجلس الاستشارى لجماعة الإخوان الإرهابية، وبسبب ذلك المنهج أصبحت كل تصرفات سلامة وتحركاته في موضع الشك والريبة وفقد ثقة البرلمان الليبى في حياده كموظف أممي، مما دفع مجلس النواب لاتخاذ تلك القرارات ليمتلك زمام المبادرة كونه الهيئة الشرعية المنتخبة الوحيدة، علاوة على كونه الكيان الشرعى والقانونى الوحيد بعد أن سقطت شرعية حكومة السراج بفعل انتهاء صلاحيتها القانونية منذ أكثر من عامين، علاوة على تورطها في جلب الاحتلال التركى والمرتزقة السوريين وهى الجريمة التى يعد وثائقها البرلمان الليبى ليقدم ملفًا كاملًا إلى كل من مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية بهدف مقاضاة فائز السراج ورجب طيب أردوغان وكل من تورط في ارتكاب تلك الجريمة.
أحفاد عمر المختار يطبقون استراتيجيته في نصب الفخاخ لأعدائهم؛ فهكذا كان ينتصر أسد الصحراء على دبابات ومجنزرات الاحتلال الإيطالى وهو على صهوة جواده، حاملًا بندقيته البدائية، يعاملهم كفئران فيوقع بهم داخل مصيدة الموت التى لا فكاك منها؛ وهى بالمناسبة نفس الإستراتيجية التى اتبعها الجيش الليبى في استدراج عناصر الجماعات الإرهابية خارج المدن ليُعمل فيهم الرصاص ودانات المدافع بعيدًا عن المناطق السكنية، وبشكل فطرى اتخذت القبائل الليبية قرارا بغلق الموانئ والمنشآت النفطية لتفرض حصارًا من نوع آخر على الأطراف الدولية حيث تراجع إنتاج النفط الليبى من مليون و300 ألف برميل يوميًا إلى 204 آلاف برميل فقط لتصبح ليبيا كلها مصيدة كبيرة لكل من تآمر على منطقة الشرق الأوسط ودعم إرهاب ما يسمى بمشروع الإسلام السياسى لتكون مقبرة للغزاة والمتآمرين.