الكثير من أصحاب الفكر يرون أن هناك تضاربا وتناقضا بين القوة الناعمة والقوة الخشنة أو الصلبة في إدارة الأمور، حيث الأولى ترغيب وتحفيز والثانية ترهيب وقهر والحقيقة أن القوتين لهما نفس الأهداف ولا ينفصلان في الأساس واختيار إحداهما دون الأخرى في إدارة الدولة هو عبث لا ينم عن خبرة في التعامل مع البشر، بل لا يمت بصلة بعلوم الإدارة والتنمية البشرية، إن التوازنات الموجودة على الساحة هى مكونات أساسية لم تأت من قبيل الصدفة، بل هى طبقا لقواعد مدروسة لم ننفرد بها في مصر فقط، بل هى موجودة في كل دول العالم، وما نظن أنه لا يصلح في هذا العصر وأصبح عبئا علينا، هو منا براء، بل نحن فشلنا في استخدامه وأقصد القوة الناعمة لمصر، والتى يعتبرها البعض عراقيل التنمية ومطبات صناعية لقاطرة التقدم ويريد أن يدمرها توفيرا للنفقات ليستخدم عوضا عنها القوة الصلبة أو الخشنة ويبرر هذا الهجوم بشكل مادى، حيث يتجه إلى حساب الجدوى المادية من هذه القوة الناعمة فلا يجد ربحا ماديا، وهو نوع من المغالطة والتدليس حيث من المعروف أن الربح هنا معنوى لا تراه إلا في نفوس المواطنين وليس في جيوبهم.. إن القوة الناعمة لمصر كانت ولا تزال وستبقى على مر العصور الحافز الذى يشحذ الهمم المصرية ويدفعها لتصنع المعجزات، وهى منبع التنوير والثقافة والوطنية فكيف نطفئ كل تلك المصابيح التى طالما أنارت لنا الطريق منذ قديم الأزل؟ بسبب توفير النفقات وكيف نمنع عنها إمكانيات التحديث والتطوير لتموت عطشا أو جوعا أو تسقط من تلقائها بلا منقذ أو مغيث، إن تضييق الخناق على هذه القوى الناعمة ليذكرنا ببرنامج الخصخصة الذى قضى على القطاع العام والصناعة المصرية وجلسنا نعض الأنامل على ما فعلناه فيه، ولم نعط لأنفسنا فرصة لإصلاحه أو تطويره والآن نبدأ من جديد للبحث في إنشاء المصانع والمزارع، ولكن بأسلوب متطور، كان يمكن أن يستخدم قبل الخصخصة وكان سيوفر المليارات من الجنيهات والسنين من العمر.
إن هدم القوة الناعمة أو اختصارها لا يستند إلى منطق، حيث تتجه أنظار القائمين على الموضوع إلى الصحف القومية والتليفزيون، وكأن هذه المؤسسات ولدت فجأة بشكل غير شرعى ويعتبرونها إهدارًا للمال العام ومضيعة للوقت والجهد وإذا كانت هناك نظرة منصفة للموضوع فهل نظرتم إلى جدوى وزارة الثقافة مثلا، ما هو منتج وزارة الثقافة؟ ما هو الربح الذى تدره وزارة الثقافة؟
فهل نظرتم إلى وزارة الشباب؟ ما هو الربح الذى تدره؟ وما هو منتجها؟ اذهب إلى مراكز الشباب في القرى بلا ملاعب أو لاعبين لمن هذه المراكز إذا؟ ماذا تدر وزارة التعليم؟ إنها أمور لا تقيم بالدخل أوالربح. كيف سنزرع حب الوطن في أولادنا بدون هذه القوة الناعمة؟ كيف سننشر القيم النبيلة والأخلاق الحميدة والمبادئ؟ وكيف لا نعترف بحاجة الإنسان إلى التفريج عن النفس بمتابعة المسلسلات والأفلام الهادفة؟ لعلنا ما زلنا نذكر مسلسلات ليالى الحلمية، ورأفت الهجان، ودموع في عيون وقحة، كان المصريون يجتمعون أمام الشاشات ليتابعوا أحداث هذه المسلسلات يوميا، ومن فاته المسلسل كان يسأل عن أحداثه.
نريد من يحيى هذا الزمن الجميل.. وللحديث بقية