ماذا حدث للمجتمع المصري؟ جميعنا نتساءل لكننا نعرف الأسباب وراء ظاهرة الطلاق المبكر التى تدمر جيلاً كاملاً من الأطفال لم يقترف أى ذنب لكنه سيقترف بحق أجيال أخرى تتبعه. الإشكالية هنا أن الظاهرة تتفاقم ووصلت المعدلات إلى «حالة طلاق كل دقيقتين ونصف» فى عام 2019 بمعدل ارتفاع أكثر من 6% عن العام السابق له، بل إن تفاقم الطلاق ومشكلاته وقضاياه تسبب فى عزوف البعض عن الزواج سواء من الشباب أو الفتيات والذين تبلغ نسبتهم حاليًا أكثر من 15 مليونًا.
المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أطلق مؤخرًا دراسة بحثية رصينة بعنوان: «الطلاق المبكر فى مصر: الأسباب - التداعيات - سبل المواجهة» والتى أشرفت عليها دكتورة نجوى حافظ وعمل عليها الدكتور وليد رشاد زكى، كباحث رئيسى مع فريق من الباحثين الدكتور حسام الوسيمى والأستاذ أحمد كساب.
الدراسة تدق ناقوس الخطر وتعمقت فى البحث عن جذور المشكلة لافتة إلى أن نصف حالات الطلاق فى مصر تقع بشكل مبكر فى السنوات الأولى للزواج وبالأخص السنة الأولى، وهو ما ينم عن مشكلة خطيرة فى التربية والتوعية بقيمة الأسرة وأهميتها.
تقع الدراسة فى أربعة فصول، تناول الفصل الأول مشكلة البحث وإجراءات الدراسة المنهجية التى استعان بها الباحثون فى تحديد المشكلة وأهداف الدراسة ووصف الحالات التى شملت المدن والقرى المصرية، وشملت الدراسة 100 حالة من مختلف أنحاء مصر، والفصل الثانى قدم بحثًا دقيقًا فى بدايات المشكلة منذ فترة الخطبة وانعكاساتها على الحياة الزوجية للطرفين، وهنا سنجد تنوعًا كبيرًا فى الأسباب: تدخل الأهل، مشكلات اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، جنسية، ومشكلات تتعلق بالإنجاب أو مشكلات شخصية عامة. فيما يتناول الفصل الثالث تداعيات مشكلة الطلاق المبكر على أطراف العلاقة الزوج والزوجة، والأبناء، ونأتى للفصل الأهم وهو السياسات الاجتماعية المرتبطة بمواجهة المشكلة والتى تقدم لصناع القرار لاتخاذ اللازم ومحاولة الحد من هذه الظاهرة، ثم تضع الدراسة بين أيدينا سيناريوهات لمواجهة المشكلة خشية تفكك المجتمع.
كشفت الدراسة أن أعلى معدل للطلاق هو حالات الزواج التى تمت بالتعارف عن طريق الأهل بواقع 44% تليها حالات التعارف عن طريق العمل بنسبة 24%، ثم 18% عن طريق الجيران، و14 حالة تعارفوا عن طريق الأصدقاء. ترصد الدراسة أن فترة الخطبة القصيرة تؤثر بشكل ما على مسار العلاقة الزوجية وتؤدى إلى الطلاق المبكر.
توصلت الدراسة إلى أن تدخل الأهل هو السبب الأول فى انهيار الأسر. ربما علينا ألا نلق باللوم على هؤلاء الأهالي؛ لأنهم بشكل أو بآخر يطبقون ما وقع عليهم من قهر اجتماعى وأسرى على أبنائهم دون أدنى شعور بتحمل المسئولية، سنجد أم الزوج تخرب حياة ابنها فقط لكى تطبق معاناتها مع والدة زوجها، وحينما تتفاقم الأمور تكن أول المشجعين له فى تفكيك الأسرة وتعاونه على إذلال الزوجة إما بحرمانها من حقوقها الشرعية أو بحرمانها من أطفالها وهو ما لمست منه حالات أقل ما يمكن أن توصف بأنها جرائم بشعة وتؤدى لتدمير الأطفال نفسيًا بحرمانهم من أمهاتهم فى أعمار صغيرة جدًا، وللأسف دون تدخل لحماية هذه الأسر.
وتأتى الخيانة الزوجية أحد أهم مسببات الطلاق المبكر وللأسف تكشف مساوئ الإنترنت والتى يبدو أنها عامل محفز على الخيانة الزوجية ففى الدراسة نسبة 27% تأثر الحوار الأسرى بعامل الإنترنت وحدث انفصال عاطفى قبل أن يحدث طلاق رسمي، و15 حالة من 100 حالة كانت الخيانة الزوجية سببًا فى الانفصال.
تؤكد الدراسة أن هناك خللا قيميًا لدى الأسر المصرية أدى بدوره لتفكك هذه الأسر، فالزوج لا يزال يعتقد أنه «سى السيد» فى حين أنه يريد الارتباط بزوجة مثقفة ومتعلمة وتعمل، ثم يأتى ليعارض ذلك عقب الزواج. وأيضًا بعض الفتيات يرفضن تسلط الزوج ويبحثن عن الاستقلالية؛ وكأن الاتفاق على تكوين أسرة لا يستحق الوصول لنقطه تفاهم ومراعاة كل طرف لحقوق الآخر!.
الأمر الخطير فى مجتمعنا أيضًا تلك النظرة الدونية التى ارتبطت بصورة نمطية عن المرأة المطلقة، وهو أمر مؤسف لأن المرأة إذا كانت قد تحررت من زيجة مدمرة لها ولطفلها تعانى من مجتمع غير منصف لها ولطفلها.
يجب هنا أن نشير إلى أن الملايين بانتظار تعديل منصف وعادل لقانون الأحوال الشخصية بشكل يضمن استمرار الرعاية الأبوية للأبناء، فكثير من الأزواج حاليًا يدمر الأسرة بغرض التهرب من الإنفاق على أطفاله، وتتحمل الدولة نفقات عبر بنك ناصر فى حين أن الرجل الملزم بأسرته شرعًا وقانونًا، قد يتجه لزيجة أخرى وحينما تثقل كاهله الأعباء المالية يطلق الزوجة ويتهرب من النفقة وهكذا، وتظل الزوجة فى معاناة انتظار مبلغ زهيد تنفقه من بنك ناصر الاجتماعى إلى حين ميسرة!
تقترح الدراسة تعديل قانون الأحوال الشخصية وتوحيده بدلا من 5 قوانين!! هذه الازدواجية تدفع ثمنها المرأة فى المحاكم لتحصل على حقها عقب سنوات، تذوق فيها أمر الأيام بحثا عن مصادر مالية تكفى لإجراءات التقاضى فى حين تبحث عن مصادر دخل للإنفاق على أطفالها. وتطالب الدراسة بتفعيل دور الأخصائيين الاجتماعيين فى محكمة الأسرة، فهم يشكلون الأمل الأخير قبل تداعى أى أسرة وتفككها. وتطالب بوجود أخصائى شرعى يقدم الحلول الدينية والنصح، وإن كنت أرى أن هذا الدور يجب أن يتم قبل عقد الزواج؛ فالكثير من الأزواج لديهم فهم مغلوط عن حقوقهم ودورهم فى الحياة الزوجية مبنى على أعراف بالية ومعتقدات تسوغ استغلال المرأة وإلزامها مثلا بالإنفاق على الأسرة طالما أنها تعمل! أو حرمانها من زيارة أهلها!! وغيرها من الترهات التى لا تعقل!
وأشيد هنا بمقترح الدراسة بتشديد عقوبة الخيانة الزوجية وإلزام الطرفين بعمل صحيفة جنائية قبل الزواج، فلا تبنى الأسر على باطل.
وخلص الباحثون إلى أن التفاهم بين الزوجين هو الحل الأمثل لمواجهة نسب الطلاق المرتفعة، عدم تدخل الأهل بين الزوجين، والتأنى فى الاختيار منذ البداية هو الحل الأسلم، وهنا تقدم الدراسة مقترحا ببرنامج تدريبى إجبارى وملزم للمقبلين على الزواج، وعلى كل مؤسسات الدولة التكاتف لحل هذه الأزمة الخطيرة قبل فوات الأوان.