الأربعاء 13 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

فيروس كورونا وحرب لا تنتهي مع الميكروبات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تجتاح العالم هذه الأيام حالة من الهلع بسبب حدوث وفيات وتفشى الإصابة بفيروس كورونا في مدينة ووهان (Wuhan) الصينية، واكتشاف حالات مماثلة في عدة دول أخرى من بينها الولايات المتحدة الأمريكية. وبالرغم من أن منظمة الصحة العالمية لم تعلن بعد حالة الطوارئ، إلا أن الذعر من تفشى المرض على المستوى الدولى يزداد يومًا بعد يوم مع ازدياد معدل انتشار المرض.
ويرجع تاريخ اكتشاف الإصابة بفيروس كورونا إلى يوم ٣١ ديسمبر ٢٠١٩، حيث تم إبلاغ منظمة الصحة العالمية (WHO) بحدوث حالات التهاب رئوى في مدينة ووهان، والفيروس الجديد ليس له علاقة بأى من الفيروسات المعروفة سابقا. وفى يوم ٧ يناير ٢٠٢٠، أعلنت السلطات الصينية أن الفيروس الجديد من عائلة كورونا وأنه يختلف عن الفيروسات الأخرى من نفس العائلة مثل فيروس سارس (SARS) وفيروس الشرق الأوسط المسبب للالتهاب الرئوى (MERS)، وتم تسمية الفيروس الجديد nCoV.
وقد اتخذت السلطات الصينية إجراءات استثنائية بإنشاء مستشفى بسعة ١٠٠٠ سرير لاستقبال الحالات المصابة، وذكرت صحيفة الشعب اليومية الحكومية في الصين أنه سيتم بناء مستشفى طوارئ ثانٍ في غضون أسابيع لمعالجة العدد المتزايد من المرضي. واللافت للنظر أن وزارة الصحة قد استعانت بالجيش الصينى لمواجهة الموقف الطارئ، وأن فرقًا طبية عسكرية متخصصة قد وصلت إلى ووهان. وتعكس هذه الإجراءات حالة القلق داخل الصين وخارجها بشأن انتشار الفيروس. كما أعلنت السلطات في هونج كونج وتايلاند حالة الطوارئ القصوى ومددت عطلات المدارس.
وتنتقل فيروسات كورونا بين الإنسان والحيوان، ويعتقد البعض أن الفيروس الجديد قد انتقل إلى الإنسان من الخفافيش، وهى التى يتناولها الصينيون في غذائهم!
وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تحذيرات وإرشادات للمواطنين في كل دول العالم تشمل أعراض الإصابة وطرق الوقاية. وأعراض الإصابة بفيروس كورونا تشبه باقى الفيروسات التى تصيب الجهاز التنفسي، وتشمل الأعراض ارتفاع في درجة الحرارة والكحة والعطس وصعوبة التنفس، وفى الحالات الشديدة يحدث التهاب رئوى قد يؤدى إلى فشل في التنفس وفشل كلوى يؤدى إلى الوفاة. 
وتنصح المنظمة الدولية الأشخاص الذين يعانون من أعراض تشبه نزلات البرد، بتجنب الاختلاط مع الآخرين. كما تنصح باتباع السلوك الصحى بتكرار غسل اليدين بالماء والصابون أو المسح بالمناديل المبللة بالكحول، والعطس في المناديل الورقية، أو على الكتف بعيدا عن المخالطين. وتنصح كذلك بوضع كمامة على الفم والأنف، واستشارة الأطباء عند حدوث صعوبة في التنفس. 
ونظرًا لأن الفيروس الجديد غير معروف التركيب الوراثي، فلا يوجد طرق للعلاج أو لقاح واق من المرض حتى الآن.
وفيروس كورونا ليس الأول ولن يكون الأخير في سلسلة الفيروسات التى تغير من تركيبها الجينى كل يوم، فمنذ خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وأسكنه الأرض، وهو يواجه تحديات عظيمة مع الطبيعة ومع باقى المخلوقات التى سبقته بملايين السنين، وأهمها الميكروبات. وحديثا تم اكتشاف ميكروبات في الصخور الاسترالية يعود عمرها إلى أكثر من ٣ بلايين سنة. 
ودراسة الميكروبات والتى هى كائنات حية دقيقة لاتُرى بالعين المجردة، كان قد بدأ في أوروبا مع اكتشاف الميكروسكوب الضوئى على يد الهولندى أنطونى فان ليفينهوك، والذى شاهد من خلاله كائنات حية دقيقة في قطرات الماء في القرن السابع عشر (سنة ١٦٧٠). وبعد ذلك بقرابة قرنين من الزمان (١٨٥٠)، اكتشف لويس باستير في فرنسا مسببات الأمراض وتطعيماتها، مثل أمراض الجمرة الخبيثة والكوليرا والجدرى ومرض الكلب. ويعتبر الألمانى روبرت كوخ هو مؤسس علم الميكروبات، وقد حصل على جائزة نوبل في الطب لاكتشافه البكتيريا المسببة للسل الرئوى عام ١٩٠٥.
ولقد عانت البشرية من الأمراض التى سببتها الميكروبات الدقيقة، خاصة البكتيريا والفيروسات، وهلك مئات الملايين من البشر إلى أن اكتشف البريطانى ألكسندر فليمنج البنسلين في مستشفى سانت مارى في لندن سنة ١٩٢٩، والذى أنقذ حياة الملايين من الجرحى أثناء الحرب العالمية الثانية. 
وتاريخيًا، تعرضت مصر إلى ثلاث موجات من وباء الكوليرا المعروف بالموت الأسود، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين وقبل اكتشاف البنسلين، وكانت الموجة الأولى عقب الاحتلال البريطانى لمصر سنة ١٨٨٢، وبلغ عدد الضحايا ٦٠ ألفًا، ثم حدثت الموجة الثانية عام ١٩٠٢، وفى تلك المرة توفى ما يقرب من ٣٥ ألف شخص. وحدثت الموجة الثالثة عام ١٩٤٧. ونحمد الله تعالى أن اختفت من العالم مثل هذه الوبائيات مع اكتشاف المضادات الحيوية الفعالة في القضاء على البكتيريا.
أما الفيروسات، سواء كانت أحادية الحمض النورى (RNA)، أو ثنائية الحمض النووى (DNA)، فهى كائنات أصغر من البكتيريا، تعيش داخل الخلية وتتكاثر بنسخ نفسها باستخدام بروتينات الخلية، فقد كانت أسرع في الانتشار وأخطر من البكيتريا من حيث عدد الضحايا. وعلى سبيل المثال، خلال القرن العشرين، حدثت ثلاث جائحات من الإنفلونزا المميتة، نتج عنها وفاة أكثر من ٥٠ مليون إنسان. وكانت أكثرها فتكًا للإنسان هى الإنفلونزا الإسبانية في عام ١٩١٨، ونتج عنها ٥٠ مليون حالة وفاة تقريبًا، ثم الإنفلونزا الآسيوية عام ١٩٥٧، ونتج عنها مليونا حالة وفاة. وحدثت إنفلونزا هونج كونج عام ١٩٦٨ ونتج عنها مليون حالة وفاة على الأقل. ومازلت أتذكر جائحة إنفلونزا الخنازير (H1N1/A) سنة ٢٠٠٩، وما سببته من إرباك في حركة السفر والتنقل في العالم. 
ومع التقدم العلمى الهائل، ومحاولات الإنسان المستمرة لاكتشاف أقوى المضادات الحيوية ومضادات الفيروسات، تقوم الميكروبات هى الأخرى بمقاومة الأدوية، وتغيير تركيبها الوراثى بصورة دائمة، لخداع الإنسان. وما بين هذا وذاك تستمر الحياة في سباق متصل بين الإنسان والميكروبات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.