عندما تولى باراك أوباما منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في توقيتٍ مقصود ليقوم بترويض الإسلام بشكلٍ عام والإسلام السياسى بشكل خاص بما يتفق مع مصالح بلاده، لم يكن مستغربًا أن يبدأ أوباما رئاسته للولايات المتحدة بمخاطبة العالم الإسلامى من تحت قبة جامعة القاهرة، ومن على أرض أكبر دولة عربية وإسلامية، وهو الخطاب الذى تلاه الوصول إلى اتفاقات وتوافقات مع الإسلام السياسى في المنطقة العربية من خلال مساندته في الحلول محل النظم المتداعية في بعض البلدان العربية في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن.
وقد حاول أردوغان تقديم نفسه للولايات المتحدة الأمريكية على أنه يستطيع أن يقوم بالدور الأكبر في ترويض الإسلام السياسى بما تمتلكه تركيا من تأثير دينى وعاطفى وتاريخى على المنطقة العربية في ظل أن الخلافة العثمانية كانت آخر عهدٍ لهذه الدول بالخِلافة الإسلامية، وفى ظل تواجد التنظيم الدولى لجماعة «الإخوان» بتركيا، وقيادة أردوغان لحزب «العدالة والتنمية» الإخوانى، الذى كان يمثل أيقونة النجاح للإسلاميين، ويحاولون محاكاته في البلدان الأخرى التى يرنون لحكمها بعد إزاحة الأنظمة الحاكمة لها بموجة ما يُسمى بـ«ثورات الربيع العربى»، وهى الفرصة التى واتت أردوغان والعثمانيين الجدد في إحياء فكرة الخلافة الإسلامية، والوثوب إلى منصب خليفة المسلمين المنتظر، وهو ما يحقق أحلامه في السيطرة على الدول العربية ليفتح سوقًا واسعة لمنتجاته ونهب ثروات البلدان العربية.
وشهدت العلاقات التركية المصرية ازدهارًا كبيرًا من هذا المنطلق أثناء حكم الإخوان، فقد التقى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مع الرئيس المعزول الراحل محمد مرسى في قمتيْن، الأولى بأنقرة فيما كانت الثانية بالقاهرة خلال العام 2012. وشهدت العلاقات بين البلديْن عقب انتخاب مرسى في يونيو 2012 تطورًا سريعًا في فترة وجيزة لم تتجاوز العام الواحد، حيث وضع الجانبان أُسس العلاقات الرسمية والاقتصادية لتكون لبنة أساسية يُبنى عليها عهدًا جديدًا من العلاقات بين البلديْن.
وبرز التقارب مع بدايات الثورة المصرية، عندما أعلن رئيس الوزراء التركى، آنذاك، رجب طيب أردوغان في خطابه أمام البرلمان التركى 2 فبراير 2011، دعم بلاده للثورة المصرية، ومطالبة الرئيس الأسبق حسنى مبارك بالاستجابة لمطالب الشعب برحيله عن الحكم، في أقوى دعم للثورة المصرية في ذروتها.
وفى 12 سبتمبر 2011، قام أردوغان بزيارة لمصر، والتى تُعد الأولى له عقب فوزه مجددًا في الانتخابات البرلمانية التى أجريت يونيو 2011، وهو الوقت الذى بدأ فيه ظهور «الإخوان» كقوة صاعدة على المسرح السياسى المصرى، وبالطبع كانت هذه الزيارة ليست لدعم مصر بقدر ما كانت لتقديم الدعم المعنوى للجماعة الصاعدة لسُدة الحكم في مصر بما يتفق مع المشروع الأردوغانى والعثمانيين الجدد.
واصطحب أردوغان في زيارته لمصر عديدًا من الوزراء والمستشارين والدبلوماسيين وما يزيد على 250 من رجال الأعمال والمستثمرين، بهدف تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات. وخلال زيارة أردوغان الأولى لمصر، تم عقد المنتدى الاقتصادى المصرى التركى، بمشاركة نحو 500 من رجال الأعمال من كلا البلدين، لبحث التعاون الاقتصادى في مختلف المجالات. وأعرب رئيس الوزراء التركى عن رغبته في زيادة حجم التبادل التجارى إلى 5 مليارات دولار خلال عامين، مؤكدًا ضرورة أن يعمل الطرفان على تحقيق هذا الهدف المنشود من خلال إزالة كل العقبات التى تعترض طريق رجال الأعمال والمستثمرين.
ومنذ انتخاب الرئيس المخلوع الراحل محمد مرسى في يونيو 2012، بدأت العلاقات التركية المصرية بالتطور، وشهدت تحسنًا سريعًا في فترة وجيزة لم تتجاوز العام الواحد؛ حيث وضع الجانبان أُسسًا للعلاقات الرسمية والاقتصادية لتكون لبنة أساسية يُبنى عليها عهدًا جديدًا من العلاقات الرسمية وغير الرسمية بين دولة يحكمها جماعة «الإخوان» الأم ودولة يحكمها التنظيم الدولى للإخوان، وأجرى الرئيس الراحل في سبتمبر 2012 زيارة إلى تركيا والتقى أردوغان في أنقرة، كما دعمت تركيا الاقتصاد المصرى بإيداع قرض بـ 2 مليار دولار. في البنك المركزى المصرى، في وقتٍ كان الاحتياطى النقدى الأجنبى يشهد تراجعًا متزايدًا، وكان أردوغان يعلم بالطبع أن كل هذا الدعم سوف يسترده أضعافًا مضاعفة بعد تحقيق مشروعه المزعوم الخاص بالخلافة الإسلامية.
كما زار أردوغان مصر ثانيةً في نوفمبر 2012، بصُحبة عددٍ من رجال الأعمال الأتراك، بهدف فتح أبواب الاستثمار التركى في مصر وتعزيز الاقتصاد المصرى، والتقى، خلال الزيارة، مرسى وألقى كلمة تاريخية بجامعة القاهرة العريقة دشنت مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجى بين الجانبين، وتم توقيع 27 اتفاقية في العديد من المجالات.
وخلال العام المالى 2012/2013، إبان حكم محمد مرسى، سجلت الاستثمارات التركية بمصر 4.5 بالمائة بقيمة 169.2 مليون دولار من إجمالى صافى الاستثمارات الأجنبية المباشرة البالغة حينذاك نحو 3.753 مليار دولار. وفى السنوات التالية، لعزل مرسى، تراجعت الاستثمارات التركية من حيث القيمة والنسبة لإجمالى صافى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر إلى مصر لتصل إلى 35.5 مليون دولار من إجمالى 7.8 مليار دولار في العام المالى 2016/2017.
وكانت دويلة قطر وحاكمها تميم بن حمد آل ثان، وشيخ الفتنة يوسف القرضاوى، تمثل التابع الأمين لخطوات أردوغان في دعم مصر «الإخوانية» ورئيسها الذى يتبع التنظيم الدولى للإخوان، وكان وهم «الخلافة الإسلامية» يبدو من بعيد لهذه الأنظمة الثلاثة بعد وصول الإخوان إلى حكم مصر، وبعد الحراك السياسى في تونس وصعود حركة «النهضة» الإخوانية، وبعد ما حدث في ليبيا واليمن، والأكثر من ذلك محاولة مرسى توريط الجيش المصرى في الأزمة السورية للإطاحة بالرئيس السورى بشار الأسد حتى يصل «الإخوان» إلى سدة الحكم في سوريا، لتكتمل تهيئة الأرض لإعلان الخلافة المزعومة وتسمية أردوغان خليفةً للمسلمين لنهب خيرات بلاد العرب والمسلمين مثلما فعل أجداده من سلاطين بنى عثمان.