الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليبيا.. فشل مسارات برلين إلا إذا..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يصدق الرئيس التركى رجب طيب أردوغان في كل ما قاله عن الصراع في ليبيا سوى مرة واحدة عندما قال إن تناقض المصالح بين الأوروبيين وعدم توافقهم قد تسبب في تعقد الأزمة الليبية؛ فواقع الأمر أن عدم توافق الاتحاد الأوروبى إذا الحاصل في الساحل الجنوبى للبحر المتوسط قد دفع أردوغان إلى ضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية وآخرها ما صدر عن مؤتمر برلين حيث قام فجر الأربعاء الماضى بإرسال المزيد من المرتزقة السوريين والأتراك وآليات عسكرية ودبابات تم إنزالها في ميناء طرابلس من بارجتين تركيتين وسفينة شحن، وهو ما أكده الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون.
الكثيرون عولوا على مخرجات مؤتمر برلين للحد من التدخلات التركية السافرة في الشأن الليبي، بإرسال آلاف المرتزقة السوريين لمساندة عصابات فائز السراج الإرهابية في حربها ضد الجيش الوطنى الليبي، علاوة على الأسلحة والمعدات العسكرية والطائرات المسيرة؛ حتى أن المبعوث الأممى غسان سلامة نسى القرار الأممى بحظر السلاح على ليبيا واعتبر بيان برلين الداعى لعدم التدخل وتفعيل حظر السلاح ورقة يستطيع بموجبها محاسبة أردوغان.
من جانبها أبدت تركيا تفاعلًا إيجابيًا على مستوى التصريحات مع بيان برلين عبر التصريح الكاذب لأردوغان الذى قال فيه: «لم نرسل قوات إلى ليبيا وإنما مستشارون عسكريون ومدربون، لكنها على الصعيد العملى استمرت في تسيير رحلات الطيران بين مطار إسطنبول ومطارى مصراتة ومعيتيقة، لنقل العناصر الإرهابية والمرتزقة الذين لم يتجاوز عددهم قبل انعقاد مؤتمر برلين في التاسع عشر من يناير الجارى نحو 1700 عنصر ليرتفع هذا العدد في الأيام التالية للمؤتمر ليصل طبقًا لتقديرات المرصد السورى لحقوق الإنسان لنحو 2600 مرتزق و4400 عنصر وفق تقديرات مصادر سياسية وعسكرية ليبية.
وقد كشفت تقديرات القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية أن أردوغان يخطط لإرسال نحو 11000 مرتزق وإرهابى ينتمون لهيئة تحرير الشام، على نحو ما أكد آمر الشئون المعنوية بالجيش الوطنى الليبى العميد خالد المحجوب.
الأكثر من ذلك أن غسان سلامة نفسه أقر مطلع هذا الأسبوع باستمرار توافد المرتزقة والمقاتلين والأسلحة على ليبيا لكنه أبى أن يُسمى تركيا باعتبارها مصدر هذا الخرق للهدنة المعلنة منذ الثانى عشر من يناير الجارى علاوة على كل ما ورد في بيان برلين بهذا الشأن.
وقد كان زعيم الإرهاب الدولى أردوغان أكثر وضوحًا وصراحة في تأكيد إصراره على استمرار التدخل في الشأن الليبى لدعم العناصر الإرهابية بإعلانه الصريح في حضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عندما التقته في تركيا؛ حيث قال بوضوح سنستمر في دعم حكومة السراج في الميدان وبكل الوسائل السياسية والدبلوماسية، وليس معنى لكلمة الميدان سوى دعمها بمزيد من المرتزقة والأسلحة لمنع الجيش الوطنى الليبى من تحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية.
ميركل التى كانت حريصة على أن يخرج مؤتمر برلين بآليات تحول الهدنة إلى اتفاق إطلاق نار لم تُعلق على تصريحات أردوغان، كما أنها صمتت تمامًا حيال كل التقارير والمعلومات بما فيها إعلان غسان سلامة المبعوث الأممى والتى أفادت باستمرار توافد المرتزقة السوريين من مناطق إدلب وعفرين إلى الأراضى الليبية، وعلى العكس من ذلك بدت في موقف الطرف الضعيف إزاء التهديدات التركية بشأن ملف 3،6 ملايين لاجئ سوري؛ فقد أعلنت بوصفها ممثلة للاتحاد الأوروبى زيادة الدعم المادى المُقدم لتركيا مقابل استقبال اللاجئين وهو؛ الدعم الذى تم الاتفاق عليه في 2016 والمُقدر بستة مليارات يورو، لكنها لم تكشف عن حجم الزيادة لذلك الدعم المُقرر سابقًا لأنقرة، وأضافت إليه تقديم مساعدات إضافية لتركيا لاستقبال اللاجئين القادمين من إدلب، والذين قدرهم أردوغان في وقت سابق بـ80 ألف شخص وقال إن تركيا لن تتحملهم وحدها، وأن تقاعس أوروبا عن دفع المزيد من الأموال سيجعلها تواجه خطر زحف هؤلاء اللاجئين إلى بلدانها وفى مقدمتها اليونان.
اللافت في هذا اللقاء أن ميركل لم تُشر من قريب أو بعيد إلى الأزمة الليبية، أو حتى إلى الاعتداءات التركية على مياه قبرص الاقتصادية، رغم أن السلطان العثمانى كان قد أرسل سفينة للتنقيب عن الغاز داخل الحدود القبرصية في نفس يوم انعقاد مؤتمر برلين التاسع عشر من يناير الجاري.
وفيما يبدو أن هذا اللقاء الذى أعقب مؤتمر برلين بنحو أسبوع واحد قد أعطى أردوغان دفعة جديدة ليمضى في دعمه المعلن للإرهاب في ليبيا؛ حيث اتخذ من الجزائر وزامبيا والسنغال الدول الأفريقية التى زارها مطلع الأسبوع محطات لشن هجوم سافر ضد كل من المشير خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة الليبية ومصر والإمارات، وراح يُعلن أن المشير حفتر ليس له شرعية محلية داخل ليبيا أو دولية، مُكررًا تأكيداته باستمرار دعم السراج.
وفيما يبدو أن أردوغان قد عدل من خطته بشأن إرسال ضباط وجنود مُنتمين للجيش التركى ليستبدلهم بآلاف المرتزقة والعناصر الإرهابية المتواجدين في سوريا، ليكونوا ذراعه في دعم حكومة السراج الإخوانية والإبقاء عليها بعد أن فقدت شرعيتها الدولية والقانونية والسياسية، وذلك حتى ينجو من الاتهام المباشر بالتدخل في الشأن الليبى عبر جيشه، وإن لم يستبعد هذا الخيار في تصريحاته أثناء المؤتمر الصحفى الذى جمعه والرئيس السنغالي، لكن وعلى أية حال هذا التعديل الطفيف يبدو أنه قد جرى وفق تفاهمات دولية مُعينة؛ حيث لم تصدر حتى الآن إدانة صريحة لاستمراره في إرسال المرتزقة، وإن كان وزير الخارجية الروسى سيرجي لافروف قد علق على هذا الأمر مُنتقدًا انتقال عناصر هيئة تحرير الشام جبهة النصرة سابقًا من إدلب السورية إلى ليبيا، ورغم هذا التعليق يُمكن للمراقب مُلاحظة نجاح الجيش العربى السورى في التقدم داخل العديد من القرى والمدن داخل محافظة إدلب، كنتيجة مباشرة لعمليات نقل العناصر الإرهابية من شمال غرب سوريا إلى الأراضى الليبية؛ وهو ما أشار إليه اللواء أحمد المسمارى المتحدث الرسمى باسم الجيش الوطنى الليبي.
وصحيح أن بعض المحللين قد ذهبوا إلى القول بأن توافد المزيد من المرتزقة من العناصر الإرهابية السورية إلى ليبيا يشكل تهديدًا مباشرًا لشواطئ أوروبا الجنوبية خاصة في ظل التقارير والمعلومات التى أفادت بهروب أكثر من 40 مرتزقا من ساحات القتال في طرابلس وتوجههم إلى سواحل إيطاليا على متن قوارب الهجرة غير الشرعية، إلا أن الصمت الأوروبى عن انتهاكات أردوغان والخوف من طرد اللاجئين السوريين ودفعهم إلى دول القارة العجوز، قد يشى بأن بعض الدول الأوروبية قد ترى أن سحب العناصر الإرهابية من سوريا يخفف من ضغوط أردوغان ووطأة تهديداته، وأن صحراء ليبيا الشاسعة وامتدادها على حدود 6 دول كفيلة بابتلاع هؤلاء الإرهابيين أو تشتيتهم، فيما ترى بعض الدول مصلحتها في استمرار بقاء حكومة فائز السراج كونها حكومة إخوانية.
هذا الوضع الملتبس هو ما دفع اللواء أحمد المسمارى إلى القول صراحة إن الحل ليس في المؤتمرات ولا المفاوضات، وإنما في البندقية، خاصة وأن هذا الحل يتفق مع طبيعة الأزمة كونها أمنية صرفة، علاوة على ذلك هناك استحالة في أن تقبل الميليشيات المسلحة حل نفسها بعد كل ما ارتكبته من جرائم، والأهم بعد كل تلك الأموال التى حصلت عليها من المصرف المركزى الليبي، الذى يترأسه الإخوانى الصديق الكبير.
وقد أعلن رئيس أركان البحرية الليبية اللواء فرج المهدوى أن لجنة 5+5 العسكرية تجتمع أوائل فبراير المقبل في مدينة جنيف، لكنه قال إنه لا مفاوضات قبل تنفيذ شروط الجيش الليبى وهي؛ تفكيك الميليشيات وتسليم السلاح وطرد جميع القوات التركية والمرتزقة السوريين وهي؛ شروط من المستحيل أن تقبل بها حكومة السراج الموالية لأردوغان.
الأمر ذاته بالنسبة للمسار السياسي؛ فكما أشرت في هذه الزاوية الأسبوع الماضى تؤكد كل المعلومات الواردة من ليبيا استحالة نجاح وربما عقد جلسات التفاوض بين ممثلى مجلس النواب الليبى وعناصر جماعة الإخوان الإرهابية الممثلين عن مجلس الدولة.
ميدانيًا نجح الجيش الليبى رغم محاولات ميليشيات السراج بدعم المرتزقة السوريين في الحفاظ على جميع نقاط تمركزه، بل إنه تمكن في عملية نوعية من إحكام السيطرة على جميع المناطق المتاخمة لشرق مدينة مصراتة، وتؤشر دقة المعلومات التى يعلنها الجيش الليبى عن تفاصيل ما يجرى داخل صفوف الميليشيات وقاعدة معيتيقة، إلى أنه يمتلك خطة متكاملة لشن عملية جديدة تستهدف تحرير مدينة مصراتة وما تبقى من شوارع قلب العاصمة خاصة بعد دور الأوامر بتشكيل غرفتى عمليات الأولى؛ لتحرير مصراتة والثانية لتحرير مدينة الزاوية غرب العاصمة.
غير أن المتغير الجديد والذى سيكون العامل الحاسم المساند للعمليات العسكرية هو؛ انتفاض قبائل ليبيا من الشرق إلى الغرب والجنوب، وقيامها بغلق الموانئ والمنشآت النفطية لتجفف منابع تمويل الإرهاب، واجتماعها الثلاثاء الماضى في مدينة بنى وليد لتقدم دعمًا شعبيًا وسياسيًا غير مسبوق للحرب التى يشنها الجيش الليبى لتطهير المدن المتبقية من فلول الإرهاب والعصابات الإجرامية.
يبقى القول إن نجاح مسارات برلين الثلاثة العسكرية والسياسية والاقتصادية لن تنجح إلا إذا تم تفكيك الميليشيات وطرد المرتزقة وسحب الاعتراف الدولى بحكومة السراج، وإقالة رئيس المصرف المركزى الصديق الكبير ورئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله الذى راح يستعدى المجتمع الدولى على القبائل الليبية ويدعوه لاتخاذ إجراءات صارمة ضدها بعد إغلاق المنشآت النفطية.