قدمت الشرطة المصرية وما زالت تقدم الكثير من التضحيات.. في سبيل أن يكون وطننا آمنا مستقرًا.. وسط منطقة مشتعلة بالحروب والصراعات والفتن.. وأحداث مشتعلة هنا وهناك.. ودماء ضباطها وجنودها التى سالت من أجل حمايتنا.. أزكى وأطهر دماء.. فهم قدموا أرواحهم ودماءهم فداء لنا.. ومن أجل راحتنا واستقرارنا.
تحملت الشرطة الصعاب وتحدت المحن والمصائب.. من أجل حماية الأرض والعرض.. من أجل أن ينام الشعب قرير العين مرتاح البال.. ولم تكن يوما مسلطة على رقاب العباد.. إلا المنحرفين والمجرمين والإرهابيين.. فقد كانت لهم بالمرصاد دائما.. تحبط مخططاتهم وتضرب أوكارهم.. فكان هؤلاء الموتورون هم من يخاف الشرطة.. وهم من اختاروا يوم ٢٥ يناير تحديدا.. ليطمسوا ذكرى عزيزة غالية من تاريخ الوطن.
سيظل يوم 25 يناير شاهدا على تضحيات الشرطة المصرية.. وذكرى لشهدائها في معركة الإسماعيلية.. في مثل هذا اليوم من عام 1952.. حيث سطر رجال الشرطة المصرية بدمائهم ملحمة مشرفة.. وفضلوا المقاومة والرد.. بدلا من الاستسلام والخضوع.. حتى ولو كان الثمن أرواحهم.. وستظل تلك الذكرى المشرفة خالدة في تاريخ مصر.. ولن تنمحى من ذاكرة المصريين.
كانت القوات البريطانية الموجودة في مصر قد انسحبت إلى منطقة قناة السويس.. عقب منح مصر الاستقلال المشروط عام 1922.. وذلك لتأمين طريق مواصلاتها إلى مستعمراتها في الهند وآسيا.. ولكن ذلك لم يجعلهم بمأمن من الفدائيين المصريين الذين لم يرتضوا بهذا الاستقلال المنقوص.. وطالبوا بالاستقلال التام ورحيل المستعمر البريطانى عن كامل الأرض المصرية.
اشتدت أعمال المقاومة والأنشطة الفدائية ضد معسكرات الإنجليز وجنودهم وضباطهم في منطقة القناة.. وكبدتهم خسائر فادحة.. وانسحب العمال المصريون من العمل في معسكرات الإنجليز.. وتوقف المتعهدون عن توريد الخضراوات واللحوم والمستلزمات الأخرى الضرورية لإعاشة 80 ألف جندى وضابط بريطاني.. وأصبحت القوات البريطانية في منطقة القناة في وضع حرج.. فأقدمت على ارتكاب جريمة نكراء.. ففى صباح يوم الجمعة 25 يناير 1952 قام البريجادير اكسهام القائد البريطانى بمنطقة القناة باستدعاء ضابط الاتصال المصري.. وسلمه إنذارًا بأن تسلم قوات البوليس المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية.. وتجلو عن دار المحافظة والثكنات.. وترحل عن منطقة القناة كلها.. وتتوجه إلى القاهرة بدعوى أنها تدعم الفدائيين وتساعدهم على الاختفاء.. ورفض البوليس المصرى الإنذار الإنجليزي.. وأقر فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية آنذاك، رفضهم الإنذار البريطانى وطلب منهم الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام... فقد القائد البريطانى أعصابه وأمر قواته بمحاصرة مبنى محافظة الإسماعيلية بالقوات والدبابات والمدافع.. وإطلاق النار على قوات البوليس المتحصنة بداخله، والتى لم تكن مسلحة إلا بالبنادق العادية القديمة.. واستخدم البريطانيون كل ما معهم من الأسلحة في قصف مبنى المحافظة.. وقاوم الجنود المصريون ببسالة وشجاعة فائقة في معركة غير متكافئة في العدد والعدة.. ولم تتوقف هذه المذبحة إلا بنفاد آخر طلقة مع المصريين الذين سقط منهم أكثر من 50 شهيدًا و80 جريحا جميعهم من جنود وضباط الشرطة.
ولم تكن تلك المعركة هى الواقعة الوحيدة التى ضحى فيها رجال الشرطة بأرواحهم الطاهرة ودماءهم الزكية.. فإن كانت تلك معركتهم ضد المستعمر الغاصب.. فقد خاضوا معارك أكثر شراسة وضراوة من تجار المخدرات والعصابات الإجرامية.. وكانت أهم معاركهم.. هى تلك المعركة مع الإرهاب.. وكم سالت دماؤهم وارتقت أرواحهم في هذه المعركة.. التى واجهوا فيها عدوا خفيا.. يعيش بيننا ولا نعلمه.. يتحين الفرص.. ليضرب ضربته بخسة ونذالة.. مخلفا وراءه ضحايا من أفراد الشرطة والشعب الذين تختلط دماؤهم سويا.. نتيجة تلك الأعمال الجبانة.
كل فرد من أفراد الشعب يخرج إلى عمله ومصدر رزقه.. ويعلم متى سيعود إلى بيته.. أما رجال الشرطة.. فيودعون أسرهم عند خروجهم إلى أعمالهم.. لا يعلمون هل سيعودون أم سيستشهدون.. فكم من زوجة ترملت في مقتبل حياتها وكم طفلا تيتم قبل أن يشبع من والده.. وكم أما ثكلت فلذة كبدها.. وكم أبا فجع في ثمرة فؤاده.
تحية لرجال شرطتنا المصرية في عيدهم الثامن والستين.. لما بذلوه من أرواح ودماء في سبيل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره وسلامة أراضيه.