الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جائزة فاروق حسنى والخير العام!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بطريقة ما، لا أعلم سرها حتى الآن، يشع الفنان الوزير فاروق حسنى طاقة إيجابية ملهمة تنبعث لمن حوله تحرضهم على الإبداع، هذا ما لمسناه خلال فعاليات حفل جائزة مؤسسة فاروق حسنى للفنون 2020، بمركز الجزيرة للفنون، فى تضافر رائع بين المؤسسة المدنية الوليدة ووزارة الثقافة ممثلة فى الفنانة الموسيقية د. إيناس عبد الدايم، الوزيرة الدؤوبة التى لا تكل ولا تمل من تنشيط المشهد الثقافى المصري، وهو أمر قلما نراه فى وزارات أخرى! ثقافة استكمال البناء والتكامل للأسف يفتقر إليها المجتمع المصري، فالكل يهدم ما تم بناؤه بالفعل لندور فى حلقات مفرغة!
نجحت الجائزة فى نسختها الأولى أن تجتذب آلاف من المبدعين فى الفن التشكيلى والأدب والثقافة بروافدها، ووجدنا اهتماما من كبار النقاد فى الفن التشكيلى برؤية لوحات لشباب المبدعين تحت 35 عاما فى مجال فن التصوير. فازت بالجائزة الفنانة الواعدة إيمان عبد الرحمن عن لوحتها «الواقع الافتراضي» وقيمتها 50 ألف جنيه مصرى، وهى لوحة جذبت ناظرى منذ الوهلة الأولى لما تحمله من فلسفة ورؤية تعكس المعنى وتبرز قيمته بأدواتها الفنية، استعانت إيمان بأسلوب الميكسيد ميديا، لتقدم تصورها الخاص للعالم والحياة اليومية فى المدن، فوظفت فن الكولاج مع التجريد اللونى لتعبر عن واقع المجتمعات الاستهلاكية، وانتقال تلك السلوكيات إلى العالم الافتراضي، فقد انتقلت تلك السلوكيات إلى الفضاء الأزرق، وتحول كل شيء إلى سلعة حتى الثقافة!
والجائزة هى الأولى التى أطلقتها المؤسسة منذ إنشائها فى نهاية أكتوبر الماضي، ويضم المعرض المقام حاليا بمركز الجزيرة للفنون بالزمالك، الأعمال المتأهلة للمرحلة النهائية من مسابقة الفنون لمؤسسة فاروق حسني، وتقدم لها ٤٥٣ طالبا من ٢١ محافظة مصرية لشباب أقل من ٣٥ سنة وصل إلى المرحلة النهائية ٧١ منهم.
ويبرز المعرض توجهات وأساليب مبتكرة فى فن التصوير لـ 71 شابا وشابة، حيث تنوعت الأعمال ما بين التجريد والتشخيص والكلاسيكية والتعبيرية والواقعية الرمزية، فضلا عن الأعمال التركيبية التى اتخذت ثيمات متنوعة تبشر بحراك فنى واعد. وهنا أسجل تحية للجنة التحكيم التى ضمت الدكتورة علية عبد الهادي، عميد كلية الفنون الجميلة سابقًا، والدكتور أشرف رضا، وكيل كلية الفنون الجميلة، والدكتور حسين الشابورى، المستشار الفنى السابق لمجموعة البنك التجارى الدولى، والفنان التشكيلى سمير فؤاد، والفنان التشكيلى إيهاب اللبان، مدير مجمع الفنون.
إن ما تفعله مؤسسة فاروق حسنى هو كسر للحواجز بين كبار المبدعين والشباب، وتحطيم لنموذج نخبوية الثقافة وإعادة الثقة للفنان فى علاقته بالمجتمع عبر جائزة تتسم بالنزاهة والشفافية، هنا يقدم حسنى نموذجا للمثقف والفنان الواعى بالتحولات التى طرأت على مفهوم الثقافة ودور المثقف فى تنشيط ميكانيزمات الفعالية لدى الفرد والمجتمع فى سياق البناء الاجتماعي.
فالمثقف لا ينبغى أن يتقوقع فى شرنقة، بل ينفتح على المجتمع ويتبادل الخبرات والتجارب مع كافة فئات المجتمع. فقد وهب إمكانياته المادية منزله وفيلته بالساحل الشمالى لخدمة الجائزة وتقديم الدعم للشباب، عبر إقامات فنية وتبادل خبرات مع فنانين من مصر وخارجها، فى محاولة لتطبيق مبدأ الخير العام، كما أشار إليه العالم الأمريكى روبرت باتنام، فزرع الثقة والتعاون والعمل التطوعى يلهم الآخرين ويدفعهم لتطبيق السلوك ذاته، وهو ما تحقق فعليا حيث أعلن أحد محبى الفن عن منح هبة غير مشروكة للمؤسسة لدعم شباب التشكليين وتذليل العقبات المادية أمامهم.
فى هذا المسلك الذى يتخذه فاروق حسنى «سنة حميدة» كما يطلق عليها د. مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية وعضو مجلس أمناء مؤسسة فاروق حسني، والذى نقل لى خبرا سارا بأن فاروق حسنى سوف يوقع بروتوكول تعاون مع مكتبة الإسكندرية؛ حيث تؤول أعماله وكتبه ومقتنياته الفنية التى جمعها من مختلف أنحاء العالم للمكتبة لمزيد من النفع العام.
وقد أعلن فاروق حسنى عن رغبته فى توسيع نطاق مؤسسته بعد أن تلقى الكثير من الطلبات والرغبات فى المشاركة بأنشطتها من مختلف أنحاء العالم، متمردا كفنان أولا وكفاعل ثقافى ثانيا على نمطية العمل الثقافى.
هنا يجب أن نشير إلى أن استقرار المركب الثقافى على النمط التقليدى يحد من القدرة على الإبداع ويخلق منتجين نمطيين للثقافة، والرهان على قوة الفن فى تغيير المجتمع والارتقاء به رهان لا يخسر أبدا. والإرادة فى استغلال رأس المال البشرى المصرى من الشباب هو الرهان الأكبر، وهو ما تحققه بفعالية وزارة الثقافة المصرية بتسخيرها لكل أدواتها ومسارحها وفضاءاتها الإبداعية لإطلاق واكتشاف طاقات الشباب بالتعاون مع مؤسسة فاروق حسنى للثقافة والفنون.
رؤية فاروق حسنى الثقافية التى طبقها عبر 25 عاما فى وزارة الثقافة مستمرة فى تغيير البنية الاجتماعية والثقافية، فكلما زاد سعينا لأنماط إبداعية جديدة، يمكننا أن نؤسس لإنتاج فكرى جديد، لا شك أنه سوف يفرز تطورا حضاريا نجنى ثماره فى العقود المقبلة.