الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يا حجاركم يا مجاركم «3-3»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يا حجاركم يا مجاركم أيضًا، ملفوظ استهلال للعبة شعبية، تُؤدى غناءً بين مجموعة من اللاعبين، أو بفرد يقابله فرد آخر، ويخاطبه: يا حجارك يا مجارك شن (ماذا) تعشى البارح حمارك؟ ويجيب الآخر (أو الآخرون) عن السؤال المعنى عن ما قدموه بالأمس لدابتهم، فإن ذكروا الخُبز، تصيرُ الإجابة مُغناة (لحن واحد): خبزوك الخبازين، ولطخوا وجهك بالطين... ويا حجارك يا مجارك شن تعشى امبارح حمارك؟ وهكذا يتم استعمال المفردة (الإجابة) غناءً، وربما كانت هى افتتاح لبدء التسلية بخراف «السمى أو التسامى»، أى الأحاجى والألغاز المعروفة.
وفى الحكايات التى جمعتها، ثم جرى تصنيفها واعتماد نموذج من كل مجموعة لدراستها سسيولوجيًا، حضرت تيمة (موتيف) البطل المسخ في حكاية (جميل: تصغير الجمل) الشخصية الذكورية المُسيطرة المُستبدة مُمثلة نموذج السلطة الأبوية، التى ليست المسخ (الدويك: تصغير الديك) في رد فعلها وموقفها، الذكر الحامى المُدافع عن أخواته مع الشقيقة الصغرى للدويك، وإن كانت «عوراء» (تكرر الراوية ذلك)، فالحكاية تمنحها قدرات فاعلة، كلاهما في مواجهة الغول من تفشل مُؤامراته، وكذلك حضور المرأة وفعاليتها فحتى وإن ظهرت كنموذجها الواقعى المُؤدبة المُطيعة المانحة المُتفانية دوما وصورة منسوخة لما ترغبه الجماعة فيها، إلا أن ذلك لا يمنع من الإقرار أن الحكايات الشعبية في (واحة براك نموذجا) تطلعت إلى المرأة التى تكسر طوق مجتمعها الذى يحاصرها بعاداته وتقاليده الصارمة، فتتمرد على ظُلمه وإجحافه بإعلان ممارسة حقها في الحياة ككائن يملك كينونته وقراره، في (حكاية حليمة بنت النجار) من حملت الحكاية اسمها، وإن كانت خادمة، وهذا خرق لتفاوت طبقى تمييزى يفرق بين العبد والسيد، حليمة من ترتحل مع سيدتها، من غامرت بصندُوقها الذى صممته وهندسته متجاوزة لسلطة الأب حين تزوج نفسها وتختار شكل حياتها، وتُفلح دون وصاية من أحد، فيما تتفوق بطلة الحكاية (سبعة ولاد وسبع بنات)، وتنتصر لكرامة أبيها (أبو البنات) في مُواجهة العم (أبو الأولاد) مُرتحلة بتجارتها تجوب البُلدان وتُصارع الغولة لتتزوج من ابنها نابذة ابن عمها الذى لم يرتق لشجاعتها وفروسيتها، وقد بزتهُ ذكاء ودراية ومسئولية، وفى حكاية (رُمان صرانداكة)، التى تُقدمُ بطلتها على خيانة زوجها (تناص مع ألف ليلة وليلة)، وفى بيته متعمدة تغيبهُ، بل والتخلص منه سفرا بحجة مرضها العضال الذى يتطلب دواء شافيا من بلاد الغولة (رُمان صرانداكة)، وتلمح الحكاية لسامعيها إلى مبرر فعلتها المحظورة دينيا واجتماعيا بزواجها الجبرى بابن عمها، وفى ذلك طرح لمعضلة اجتماعية وهى ظاهرة الزواج القرابى دون النظر لخيارات الطرفين.
إلا أن الطريف بحق والذى يُخالف ما دأبت عليه تؤكدهُ وترسخهُ ثقافة المجتمع تجاه الزوجة النموذج، ما أكده الزوج في حكاية (ماراحن من عباير وحنا سكوت - بمعنى كم رأينا من أخطاء ونحن صامتون)، في رفضه لزوجة لا تُعبر عن رغباتها ولا تشتكى مما تلاقيه، راضية صامتة فيُعلن أنهُ مُطلقها فلا صبر له لمن لا تشاركه رأيا فيما يفعله، وكذا تعبيرها عن أفراحه وهمومه، وحين تأتى الزوجة الثانية مُعربدة مُثرثرة وما زالت لم تنزل عن هودجها، يُفاجئه صوت زوجته الأولى وهى تحثها على التلطف والاتزان... فينشرح صدر الزوج وتنفرج أساريره، ويقرر رد العروس إلى أهلها والإبقاء على زوجته السابقة وقد سمع لها رأيا!.. 
كما طعمت الحكايات الشعبية المختارة أهدافها التربوية الأخلاقية بأجواء من الفكاهة والمرح كحكايتى (طن وطنة) العجوزين البخيلين، و(أمعبيص) مُعادل نص أنصيص الكائن الناقص الذى يتفوق على الأقوياء الكاملين، وحملت الحكاية نماذجها الحيوانية رمزا أو تصريحا لما ينبغى أن يحتذيه السامعون من مثل وقيم، أو أن ينصرفوا عن ما هو مرفوض منبوذ، مثل حكاية (شبيشبان اللى طاح في القدر ما بان)؛ حيث الدعوة إلى التآلف والترابط الاجتماعي والابتعاد عن التكلف بما لا يعنيهم، وفى حكاية (العنزة المعتنزة اللى قرونها حد أورانزا) في الذود عن الحياض والدفاع عن المكان الحاضن، كما أن مخالفة الصغار لوصايا الأم يؤدى إلى التهلُكة.
ومما سبق تفصيله عن مضامين الحكايات الشعبية، ما يطرح تساؤلات حول إلحاح الدارسين الباحثين عن تداول مصطلح الحكاية «الخرافية»، التى ترتبط في مدلولها اللغوى بالخرافة: الحديث المُستملح المكذوب، متبوعة كمدلول خرف خرفا: فسد عقله من الكبر فهو خَرّف! (لسان العرب) وهو ما لا يمكن ربطهُ، لا بالراوية الشخصية المرجعية الاجتماعية الموثوق في درايتها وحكمتها، ولا حتى فيمن يوجه لهم الخطاب الحكائى وهم السامعون، إذ إن الراوية الشعبية هى العنصر الحى الوحيد، والوسيط الموصل، الأمين الحافظة والموثقة للموروث، إلا أنه يحذر الانتباه إلى مصطلح الخراف - الذى من ضرورى القياس عليه والاستقاء منه - في الاصطلاح الشعبى والذى يعنى أن الذى يُخرف يحكى قصصا حدثت في الماضى، مُشبعة بالعجيب والغريب، ولعل ذلك سر جاذبيتها وتعلق مُتلقيها بها.