تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ندخل بعد أشهر معدودات انتخابات البرلمان بغرفتيه نواب وشيوخ.. ندخل أيضا بحكم الضرورة انتخابات المحليات التى تضم ما يقترب من 54 ألف مقعد.. سوف تنعقد الانتخابات ونرى اللجان والمرشحين وشلالات الدعاية.. سوف تهتف أجهزة «الساوند سيستم» بأسماء المرشحين، وتنتعش أعمال الفراشة والبوابات والبنر والمقاهى وتعلن النتائج.. فيذبح نواب الريف العجول تصدقا وينتشى نواب المدن، وتزدهر مبيعات «البيرفيم» ونرى البدلة السينيه والسيارة ذات السائق الخاص.
هل كل ما سبق يعنى أن لدينا سياسة وأحزاب وجماهير وبرامج واشتباك فعال ومنتج بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.. الإجابة عن هذا السؤال سلبية تماما.. للأسف الشديد..الواقع الحزبى والسياسى بمصر يعيش الآن على أجهزة التنفس الصناعى وصار المحل المختار للأحزاب هو غرفة الإنعاش.
104 أحزاب سياسية تتصارع على ساحة تضم 100 مليون نسمة.. من الأرقام يمكن أن ننخدع ونقرأ دلالات وهمية.. من الأرض يمكن أن نقول بكل صدق إن العدد في الليمون، وأنه لا يليق بمصرنا التى عرفت الحياة الحزبية بدايات القرن الماضى، وأمضت أكثر من مائة عام في حياة سياسية متنوعة، أن يكون واقعها اليوم عبارة عن مجموعة صراعات بين لافتات حزبية لا تعبر عن رؤى متمايزة بين بعضها البعض.
حتى في زمن الاتحاد الاشتراكى لم يكن واقع الحال بمثل هذه السيولة اللزجة.. البلاد تبنيها الرؤية والمشاركة الشعبية يؤسسها الحوار.. والأحزاب السياسية في كل دول العالم ليست ترفا ولا لافتات لزينة الجدران.. الأحزاب هى الملجأ للمختلف ليعرض اختلافه على الطاولة لعل به ما يفيد.. أما التطاحن باستخدام سطوة المال فهو لا ينتج إلا جمعيات خيرية، وقبل أن تتهمنى بالتعالى على الجمعيات الخيرية اسمح لى أن أزايد عليك بالقول إن الجمعيات الخيرية في هذه المرحلة أكثر مصداقية من بعض الأحزاب السياسية؛ لأنها تقوم بدورها المحدد لها ولا تدعى كذبا أنها تعمل بالسياسة.
إذا كان هذا هو واقعنا بمصر، فما الحلول التى يمكن لها تأسيس واقع جديد ومختلف عن السائد الآن.. بعيدا عن حكاية المجال العام والذى يستخدمه البعض كمبرر للتراجع، علينا أن نرصد أولا المقومات الأساسية التى يجب أن يكون عليها الحزب السياسى، ومن البدهى أن يكون أول تلك المقومات هو البرنامج العام للحزب.. ولأننا في مصر نعشق الفهلوة؛ فقد رأينا المتثاقف الأكاديمى، وهو يطبخ لبعض الأحزاب برامجها على طريقة من كل فيلم أغنية.. ولذلك شهدنا حالة الإغراق التى سادت أحزابنا وضربت المشاركة والإيديولوجيا في مقتل، وصار من العادى أن ترى مئات، بل آلاف من الكوادر المخضرمة وقد اعتكفت والتزمت بيوتها.
ومع تزايد مواسم الهجرة من المجال العام إلى البيوت المغلقة، يخسر المجتمع قادة ومفكرين وكوادر فاعلة، تستطيع التأثير في محيطها بالإيجاب وتصحيح المفاهيم وشرح الواقع ورصد الطموح للمستقبل وتصميم خرائط للطرق القادمة والاشتباك مع الأزمات لطرح الحلول والعمل المستمر لتطوير الواقع.
تخسر الدولة المصرية إذا تغاضت عن فتح هذا الملف المسكوت عنه.. أقول الدولة المصرية ولا أقول النظام المصرى.. الأحزاب مكون رئيسى من مكونات الدولة؛ فإذا كانت الأحزاب في نمو وتطور جاذب لمكونات المجتمع كان بدن الدولة بصحة وعافية وقادر على مواجهة جماعات التطرف..
الشبابيك المفتوحة تساعد على صيانة المبنى وتمنع الفئران من الاختباء بين الأثاث.. وجماعات التطرف هى فئران تجد متعتها في الظلام والكراكيب.. وحياتنا الحزبية تعانى الكركبة.. فهل من جهة عاقلة رشيدة تنقذها قبل تسرب الظلمة إليها؟