عايشت عن قُرب الأحداث التى بدأ بها شهر يناير ٢٠١١، فقد كان تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية أول هذه الأحداث، وبعد عمليات بحث شاقة نجحت الشرطة في كشف خيوط أولية عن التفجير، تم القبض على متهمين اثنين واعترفا اعترافات تفصيلية عن مُنفِذ التفجير وانتمائه لتنظيم متطرف بعد أن فُصِل لتطرفه الفكرى من شركة بترول بالإسكندرية كان يعمل بها، ليأتى احتفال عيد الشرطة صباح ٢٣ يناير كنت أحد الحاضرين وقبل بداية الاحتفال ينتظر اللواء حسن عبدالرحمن رئيس جهاز أمن الدولة وزير الداخلية حبيب العادلى ليُعطيه ورقة صغيرة مُدون بها بعض المعلومات الجديدة عن الحادث، يبدأ الاحتفال بحضور الرئيس مبارك وكبار رجال الدولة، يُلقى العادلى كلمته ويبدأها بقراءة الورقة الصغيرة التى أعطاها له رئيس جهاز أمن الدولة ويبتسم وهو ينظر للرئيس مبارك ويقول: بعد جهود أمنية استطاع جهاز الشرطة التوصل إلى أن «جيش الإسلام» هو مُنفِذ تفجير كنيسة القديسين، تضُج القاعة بالتصفيق.
خرجنا من القاعة إذ بالأخبار تنتشر عن وجود تظاهرتين قامتا بهما حركتا كفاية و٦ أبريل، وازدادت دعوات التظاهر وانتشرت صور لاثنين شباب من الإسكندرية هما خالد سعيد وسيد بلال، كان هناك مركز حقوقى بالإسكندرية اسمه مركز ضحايا يقوده الإخوانى هيثم أبوخليل يروج لوفاتهما بعد تعرضهما للتعذيب على يد عناصر شرطية، ذهب «أيمن نور» وزار عائلتهما، وتبنى الإخوان قضيتهما، ولم يتوان محمد البرادعى في الانضمام لهما، وانشغلت الفضائيات بهما وتركت احتفالات الشرطة وبنجاحها في التوصل للجناة في تفجير كنيسة القديسين، واشتعل الموقف بعد تحذيرات مُتعددة من بعض السفارات الأجنبية لرعاياها في مصر، تضع الشرطة خططها للنزول لتأمين البلاد، مبارك يُشكل خلية أزمة برئاسة أحمد نظيف وتجتمع في القرية الذكية وتُفوِض «العادلى» في التصرُف.
يوم ٢٥ يناير تظاهرت مجموعات أمام سِلِم نقابة الأطباء شارك فيها عبدالرحمن يوسف القرضاوى وبلال فضل وأعضاء حركة ٦ أبريل، وتظاهرة أخرى على سِلم نقابة الصحفيين شارك فيها قيادات حركة كفاية ومنهم أبوالعلا ماضى وعصام سلطان ومحمد البلتاجى، في المساء ظلت حركة ٦ أبريل تتظاهر في أحد شوارع وسط البلد، وحينما جاء منتصف الليل أعلنت الحركة عن اعتصام أعضائها في الشارع وهتفوا ضد الشرطة التى أطلقت القنابل المسيلة للدموع، كر وفر في شوارع وسط البلد، أخبار مُتناثرة عن إغماءات وإصابات بين أعضاء ٦ أبريل، الأعداد تتزايد والهتافات تعلو ضد الشرطة، دعوات تُحرض ضد الشرطة وقياداتها وضباطها على فيس بوك وشباب إخوانى مثل عبدالرحمن عز ومحمد القصاص ومحمد كمال يظهرون لقيادة حركة ٦ أبريل.
طوال يومى ٢٦ و٢٧ يناير تزداد الدعوات للتظاهر بطريقة لافتة للانتباه، مظاهرة في السويس بميدان الأربعين ووفاة شخصين، مظاهرة أمام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، الإخوان ينشرون خط سير المتظاهرين في القاهرة والجيزة للوصول لميدان التحرير ويوزعون منشورات عن أماكن التجمعات في المساجد الشهيرة ومنا مسجد الاستقامة بميدان الجيزة.
في مساء ليلة ٢٧ يناير جلست مع الكاتب الصحفى «محمد طرابية» وسألنى: هاتِنِزِل ؟ قُلت: طبعًا هانزل للمتابعة وللتاريخ ورصد الأجواء ومُشاهدة الأحداث، نزِلت قبل صلاة الجمعة أسفل كوبرى الجيزة واستقريت أمام محل عصير بجوار مطعم شهير، دقائق وجاءت سيارتا جيب لونهما أسود، فجاة نزل من الأولى محمد البرداعى ومعه حارسان مُرافقان تابعان للسفارة الأمريكية والثانية بها أفراد وكاميرات تصوير لعدد من الفضائيات الأجنبية، ظهرت مجموعات في الشوارع الجانبية تهتف وترمى الحجارة وترُد الشرطة بالقنابل المُسيلة للدموع، وفجأة عند الساعة الرابعة عصرًا لم تعد الشرطة تواجه المتظاهرين ووقفوا على الرصيف وخرج المتظاهرون من الشوارع الجانبية وتجمعوا في الميدان واتجهوا في شارع مراد، وصلت أمام قسم الدقى ووجدت أعدادًا كثيرة تهتف وسيارات الشرطة مُحترقة، عبرت لطريق الأوبرا ووجدت شبابا يُلقى بزجاجات مولوتوف على الأوبرا واشتعلت الأشجار الموجودة بداخلها، وحُرقت سيارات شرطة كانت على كوبرى قصر النيل.
وفى الساعة السابعة مساء وجدت نفسى أمام مقر الحزب الوطنى على الكورنيش وقد اشتعلت به النيران ويخرج منه مواطنون منهم من يحمل «كرسى» ومن يحمل «تكييف» ومن يحمل «أباچورة»، ونظرت تحت قدمى ووجدت مُلصقات الحزب الوطنى بعدها حُرقت جميع أقسام الشرطة وحُرقت المحاكم واقتُحمت السجون وعمت الفوضى وخرج المُتطرفون بسلاحهم من القمقم لينفذوا مخططهم وكادت تضيع «مصر» لولا العناية الإلهية وأبناء الوطن الشُرفاء.
تذكرت هذه الأحداث وأنا أقف أمام الكعبة المُشرفة وأدعو بصوت عالٍ: يا رب احفظ مصر، لأجد بجوارى مواطنين مصريين يسمعاننى ويقولان: يا رب.