الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عيد الوطنية والفداء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى مثل هذا اليوم من كل عام تمر علينا ذكرى غالية على قلب كل مصرى وطنى أصيل، ذكرى معركة الإسماعيلية والتى دارت رحاها بين الشرطة المصرية المتمركزة فى قسم بوليس الإسماعيلية وديوان المحافظة وبين قوات الاحتلال الإنجليزى، وذلك يوم 25 يناير 1952 والذى أصبح عيدًا للشرطة المصرية الباسلة. مع حلول تلك الذكرى يملؤنى شعور كبير بالفخر كونى خدمت سنوات طوال فى هذا الجهاز الأمنى الوطنى الذى طالما ساهم فى الحفاظ على هذا الوطن والذى طالما كان عاملاً رئيسيًا فى استقرار وأمن وأمان مصر والمصريين. فمصر أرض لا تسجد لمحتل ولا تكرم من يهين أى ذرة من رمالها، لذلك عندما عاث المحتل البريطانى بمصر فسادا، وفرض الحماية البريطانية عليها، تصاعد أتون الغضب لدى نفوس أبنائها، وتكاتفت الجهود واتفقوا على هدف واحد وهو أن يعيش المحتل على صفيح ساخن مادام أراد أن يدنس الأراضى المصرية بأقدامه، ورغم عقد معاهدة 1936 التى اعترفت إلى حد ما باستقلال مصر، إلا أنها مثلت تحيزًا واضحًا لبريطانيا ضد مصر، والاستقلال الذى تضمنته المعاهدة استقلال اسمى وليس فعلى، وعندما طلب النحاس باشا رئيس الوزراء وقتها من الجانب البريطانى تعديل معاهدة 1936، ظلت المباحثات لمدة 5 أشهر بدون نتيجة، مما جعل النحاس باشا يجتمع مع الملك فاروق ويقرران إلغاء معاهدة 1936 اشتدت الأعمال الفدائية ضد الانجليز بكل مكان بمصر وخصوصا بمدن القنال مكان تجمع الانجليز وقتها ولكن هنا سنتحدث عن إحدى مدن القنال وهى الإسماعيلية. لما اشتد النزاع بين الجانب المصرى والجانب الإنجليزي، ظهرت وقتها وطنية المصريين فقام العمال المصريون بوقف التعامل مع المعسكرات الإنجليزية، وحينما أعلنت الحكومة عن فتح مكاتب لتسجيل أسماء عمال المعسكرات الراغبين فى ترك عملهم مساهمة فى الكفاح الوطنى سجل [91572] عاملًا أسماءهم فى الفترة من 16 أكتوبر 1951 وحتى 30 من نوفمبر 1951، كما قام التجار بوقف توريد الخضروات والفاكهة واللحوم لهم، وتم فرض حصار اقتصادى عليهم، كل هذا وشباب مصر من الفدائين يحرقون المعسكرات الإنجليزية، وعاش الإنجليز داخل أتون من الجحيم، وجن جنون قادتهم فقد أقدمت القوات البريطانية على مغامرة أخرى لا تقل رعونة أو استفزازًا عن محاولاتها السابقة لإهانة الحكومة وإذلالها حتى ترجع عن قرارها بإلغاء المعاهدة، ففى صباح يوم الجمعة 25 يناير 1952 استدعى القائد البريطانى بمنطقة القناة (البريجادير أكسهام ) ضابط الاتصال المصري، وسلمه إنذارًا بأن تسلم قوات البوليس (الشرطة المصرية بالإسماعيلية )، أسلحتها للقوات البريطانية، وتجلو عن دار المحافظة والثكنات، وترحل عن منطقة القناة كلها، والانسحاب إلى القاهرة بدعوى أنها مركز لإخفاء الفدائيين المصريين المكافحين ضد قواته فى منطقة القنال. 
وهنا عندما تم الاتصال بين قائد بلوكات النظام بالإسماعيلية بـ(فؤاد باشا سراج الدين) وزير الداخلية على التليفون.. مين يا افندم؟ أنا اللواء أحمد رائف قائد بلوكات النظام فى الإسماعيلية، حاضر يا فندم.. معالى الوزير صباح الخير.. صباح النور.. يا افندم قوات الاحتلال البريطانى وجهت لنا إنذارًا برحيل قوات البوليس عن مدينة الإسماعيلية وإحنا يا افندم رافضين وقررنا المقاومة.. حتقدروا يا أحمد؟ يا افندم مش حنسيب الإسماعيلية حتى لو ضحينا بآخر نفس فينا.. ربنا معاكم استمروا فى المقاومة.. فقد القائد البريطانى فى القناة أعصابه فقامت قواته ودباباته وعرباته المصفحة بمحاصرة قسم بوليس «شرطة» الإسماعيلية 
ودارت المعركة، وبرغم ذلك الجحيم ظل أبطال الشرطة صامدين فى مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز ‏(لى انفيلد‏)‏ أقوى المدافع وأحدث الأسلحة البريطانية حتى نفدت ذخيرتهم وسقط منهم فى المعركة ‏50‏ شهيدا و‏80‏ جريحا‏ ،‏ بينما سقط من الضباط البريطانيين ‏13‏ قتيلا و‏12‏ جريحا وأسر البريطانيون من بقى منهم على قيد الحياة من الضباط والجنود وعلى رأسهم قائدهم اللواء أحمد رائف ولم يفرج عنهم إلا فى فبراير‏ 1952. كما أمر البريطانيون بتدمير بعض القرى حول الإسماعيلية كان يعتقد أنها مركز اختفاء الفدائيين المصريين المكافحين ضد قواته فقتل عدد آخر من المدنيين أو جرحوا أثناء عمليات تفتيش القوات البريطانية للقرى المسالمة، وانتشرت أخبار الحادث فى مصر كلها، واستقبل المصريون تلك الأنباء بالغضب والسخط، وخرجت المظاهرات العارمة فى القاهرة، واشترك جنود الشرطة مع طلاب الجامعة فى مظاهراتهم فى صباح السبت 26 من يناير 1952. ولم يستطع الجنرال اكسهام أن يخفى إعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال:‏ لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا. وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال اكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريمًا لهم وتقديرًا لشجاعتهم.‏ وانطلقت المظاهرات تشق شوارع القاهرة التى امتلأت بالجماهير الغاضبة، حتى امتلأت الشوارع بالجماهير الذين راحوا ينادون بحمل السلاح ومحاربة الإنجليز، وكانت معركة الإسماعيلية، الشرارة الأولى لثورة تشتعل وتغير مجرى التاريخ. وبعد ذلك أصبح يوم 25 يناير من كل عام هو عيد الشرطة احتفالا وتخليدا لذكرى تلك الواقعة وتقديرًا لما قدمه شهدائها من بسالة وبطولة وكرامة، ولم تنته مسيرة رجال الشرطة فى الكفاح من أجل أرض مصر، بل مازال عطاء رجال الشرطة وتضحياتهم بالنفس والروح من أجل سلامة هذا الوطن وأمانه إلى الآن، فتحية تقدير وإجلال لروح شهدائنا الأبطال على مدى التاريخ وكل الدعم والمساندة لمن يحملون راية الوطن حتى الآن.