كل الجماعات الدينية المؤدلجة حريصة على الترويج لفكرتها من خلال وسائل إعلامية متنوعة، فالمنصات الإعلامية في القلب من معارك التنظيمات المتطرفة، لأنها بمثابة خط الدفاع الأول عما تتعرض له هذه التنظيمات من حملات مواجهة، فضلًا عن كونها محطة مهمة للاستقطاب والتجنيد، وهو ما جعل الإخوان المسلمين وغيرها من التنظيمات الدينية أن تكون حريصة على امتلاك هذه المنصات واستخدامها في التشويه تارة وفي تصفية الحسابات تارة أخرى والاغتيال المعنوي لمعارضيها.
هذا الدور تقوم به وسائل الإعلام التابعة للحركة منذ نشأتها قبل تسعة عقود، وما زالت تقوم به المنصات الإعلامية حتى خارج حدود الوطن وبخاصة الموجودة في إسطنبول والدوحة ولندن، بل ونجحت هذه الدول في استثمار هذه التنظيمات ومنصاتها في ممارسة ضغوط على الدولة المصرية لتحقيق مصالح لها، وبالتالي أنشئت ودعمت هذه المنصات وما زالت للغرض ذاته.
المنصات الإعلامية التابعة للإخوان ليست مجرد وسائل إعلامية وإنما أوعية تنظيمية تُعبر عن الجماعة، ولذلك تجدها تستخدم نفس الأدوات التي يستخدمها التنظيم، حتى وإن كانت هذه الوسائل قريبة من الجماعة ولكن إدارتها لا تختلف كثيرًا عن إدارة التنظيم.
ولذلك ما حدث في قناة الشرق المملوكة لليبرالي أيمن نور، شاهد عيان على وضعية المحطة ومدى اتساقها مع مفاهيم حركة الإخوان المسلمين، وهو ما يؤكد زيف ما يدعيه "نور" من ليبرالية وزيف ما تدعيه الجماعة وما ترفعه من شعارات، وبدا ذلك واضحًا حول فبركة الأخبار التي تنقلها الشاشة، وكما صرح بذلك العاملون في المحطة.
ومن حيث المبدأ لي تحفظ على لفظة تسريبات قناة الشرق، فما خرج من معلومات قبل يومين لم يكن تسريبًا وإنما معلومات خرجت من داخل المحطة ومن خلال موظفيها، فالتسريب عادة ما يكون تسجيل أو نقل لصورة بشكل غير مكتمل، في حالتنا هذه نقل الموظفين في المحطة معلومات بكل تفاصيلها، فبدا التردي المهني في أبهى صورة.
لا نستبعد الدعم الذي يتلقاه أيمن نور من الإخوان المسلمين أو الولايات المتحدة الأمريكية، التي تُدعم المحطة بالمال، مقابل تقديم محتوى يخدم حركة الإخوان المسلمين، والأخيرة لا تدخر جهدًا في إنجاح المحطة بتكليف اتباعها على متابعتها، فضلًا عن البرامج التي تُسيطر عليها الجماعة وتقدم خطابها من خلالها حتى ولو خالف الأفكار الليبرالية التي أدعى "نور" أنه تربى عليها.
هناك أشكال ثلاثة من التمويل للوسائل الإعلامية التي تٌقدم خطاب الإخوان المسلمين أو تتماهى معه، أولها قناة مكملين، وتنفق عليها جماعة الإخوان المسلمين إنفاقًا كاملًا، وكل ما يُقدم على المحطة يخص التنظيم ويُعبر عنه بشكل كامل أيضًا، وقناة الشرق، وإنفاقها مرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية لأهداف ذكرنا جزءًا منها في السابق، وقنوات أخرى تُدعم من قبل دول في المحيط الإقليمي مثل تركيا وقطر ومن هذه المحطات على سبيل المثال لا الحصر الجزيرة وجريدة العربي الجديد.
هذه المنصات الإعلامية فقدت مصداقيتها، لأنها لا تقدم سوى خطاب واحد، ولأنها وضعت هدفًا واحدًا لبرامجها وهو إسقاط النظام السياسي والدولة معًا، فلا مانع عندها من إسقاط النظام وإن كان ذلك على جثة الوطن، وهنا هي لا تُعارض النظام وإنما تسعى لإسقاط الدولة، ولا يمكن وصفها بأنها تعمل وفق مواثيق الشرف الإعلامي او الصحفي، فهي أبعد بكثير مما تتهم به خصومها من القنوات الأخرى.
الاستقالات التي تقدم بها عدد من العاملين في قناة الشرق تؤكد شكل المؤسسات الإعلامية التي تُدار من الخارج، فما ترفعه في شعارات في واد وما يحدث بداخلها من واقع وما خرج من معلومات على لسان العاملين فيها في وادٍ آخر، وقد ظهر ذلك من خلال ما أشار إليه العاملون في هذه القنوات من المعالجات الخاطئة لأخبارهم وفبركة الأخبار والمبالغة في نسب المشاهدة.
ما حدث في الشرق يحدث في كل المحطات التابعة للإخوان، وما حدث في المؤسسات الإعلامية التي تُعبر عن الإخوان المسلمين والتي تمثل وعاءً تنظيميًا للجماعة يُدلل على حجم الفساد ليس المالي ولا الإداري فقط وإنما الفساد السياسي، في ادعاء شعارات والعمل عكسها في نفس الوقت، فضلًا عما تقدمه من تشويه لهوى بداخلها بعيدًا عن الواقع أو الحقيقة مثل فبركة الأخبار!
الإعلان عن حجم الفساد داخل مؤسسات الإخوان المسلمين لم يكن صادمًا، فإذا كنا نرى هذه التنظيمات متطرفة، ونلمح هذه السلوكيات داخل التنظيم، فطبيعي أن نراها في المؤسسات التابعة لها وبخاصة المؤسسات الإعلامية، وهو ما يؤكد ما ذهب إليه من نقلوا هذه المعلومات عندما وصفو المحطة ومن يعملون بها بأنهم تجار ثورة.