الأربعاء 13 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حادث طبيبات المنيا والوزيرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تألمت كثيرا عند سماعى بوقوع الحادث الدامى لطبيبات المنيا، وتألمت أكثر عندما علمت بزيادة أعداد الضحايا، وملابسات الحادث الأليم. وتعجبت أكثر لهذا الهجوم غير الموضوعى على شخص الوزيرة، وكأنها السبب فيما حدث ومحاولة تحميلها وحدها إخفاقات وزارة الصحة. بالرغم من معرفتنا جميعا أن الوزارة، وملف الصحة بصفة عامة، يعانيان من مشكلات مزمنة، حتى قبل تولى الوزيرة المسئولية بعدة عقود. وأن الوزير، مهما بلغت قوة شخصيته، وعظيم خبرته وكفاءته، فلن يكون قادرا بمفرده، على تحقيق نقلة نوعية في إدارة ملف الصحة المصرية. وأن إعادة هيكلة منظومة الصحة المصرية سوف يستغرق عدة سنوات من العمل الجاد والمستمر، وعلى عدة محاور متوازية تشمل عدة وزارات وليست وزارة الصحة فقط.
تذكرت وأنا أشاهد مقاطع من الاستجواب الذى وجهه بعض أعضاء مجلس النواب إلى الوزيرة، مشهدًا من فيلم «الإرهاب والكباب»، للفنان الراحل كمال الشناوي، وكان يلعب دور وزير الداخلية وهو يقول «الوزارة دى شايله مشكلات كل الوزارات». وهذا حقيقي، فوزارة الصحة مثل وزارة الداخلية، تتحمل مشكلات كل الوزارات. فمشكلات الطرق وما ينتج عنها من حوادث وإصابات، تتحملها وزارة الصحة. ومشكلات الحوادث الإرهابية وما ينتج عنها من ضحايا وإصابات تتحملها وزارة الصحة. ولعل سيادتكم تتذكرون الحادث الإرهابى الذى وقع أمام معهد الأورام القومي، وكيف أن وزيرة الصحة ظلت طوال ساعات الليل تتابع بنفسها إنقاذ حياة المصابين في عدة مستشفيات داخل محافظتى القاهرة والجيزة. 
حتى مشكلات وزارات أخرى مثل وزارات البيئة والزراعة، والصناعة وما ينتج عنها من تلوث للهواء والماء والغذاء، تقع أيضا على عاتق وزارة الصحة. أضف إلى كل ذلك مشكلات عجز الأطباء والتمريض، ومشكلات إدارية وهندسية تعانى منها آلاف الوحدات الصحية الأولية، والمستشفيات العامة والمركزية في كل ربوع مصر. فضلا عن عدم كفاية الموازنة المخصصة للصحة، وزيادة تكلفة الخدمة الطبية، وبداية تطبيق نظام التأمين الصحى الشامل، ومبادرات الرئيس الخاصة بحملة ١٠٠ مليون صحة، والمسح الشامل لفيروس س، ومبادرة تقليل قوائم الانتظار، ومبادرة صحة المرأة، وكلها مشروعات عملاقة تتطلب العمل الدائم والمتابعة الدقيقة وعلى مدى أشهر طويلة.
ومن خلال متابعتى لأداء وزارة الصحة في الأعوام القليلة الماضية، وبرغم كل التحديات سابقة الذكر، إلا أن النقد الموضوعى المحايد يتطلب منا أن نعترف بأن هناك نجاحات عديدة قد تحققت. وأن هناك مشروعات عملاقة مثل مشروع التأمين الصحى الشامل قد بدأ العمل به. وأن هناك تنسيقا وتكاملا قد تم بين وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية وغيرها، لتقليل قوائم الانتظار.
وفى نفس الوقت يجب أن نعترف أن الفجوة مازالت كبيرة، بين الواقع والمأمول في مستوى الخدمات الصحية التى تقدمها العديد من الوحدات الصحية والمستشفيات العامة والمركزية. وأن المواطن المصرى العادي، ومنذ زمن بعيد، لايثق كثيرا في الخدمات التى تقدمها مستشفيات وزارة الصحة. وأن المستشفيات الجامعية تقدم أكثر من ثلثى الخدمات الصحية المصرية. ويجب أن ندرك أن ذلك سوف يستمر لعدة سنوات قادمة. وأن إصلاح منظومة الصحة سوف يتطلب أموالا طائلة وفرق عمل متعددة وتكاتف من عدة جهات، وليس فقط من وزارة الصحة. وأن التكامل والتنسيق بين كل مقدمى الخدمات الصحية في مصر قد أصبح ضرورة لا غنى عنها.
وبنظرة موضوعية، وبعيدا عن شخص الوزيرة، يجب أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة أهمها؛ ماهو المطلوب من الوزير؟ وكيف نحكم حكما موضوعيا على أداء الوزير؟ وهل الوزير مسئول مسئولية سياسية بمفرده عن الإخفاقات التى تحدث في مجال وزارته؟
والإجابة ببساطة، أن نجاح أى وزير في إدارة حقيبته، يعتمد على عدة عوامل، أهمها شخصية الوزير والدعم الذى يلقاه من البيئة المحيطة. والوزير في النهاية ينفذ سياسات الحكومة، ويحصل على موازنته من خزينة الدوله، ولذا أرى أن تحميل الوزير بمفرده مسئولية إخفاقات ملف الصحة أو التعليم في مصر، هو حكم ينقصه الكثير من الموضوعية. ويجب ألا ننسي، أن ملفى الصحة والتعليم، قد تم إهمالهما على مدى عدة عقود، وأن الإصلاح سوف يستغرق وقتا طويلا وتعاونا صادقا من الجميع.
وأخيرًا، أعتقد أن الحكم الموضوعى على أداء الوزير لا بد أن يأخذ في الاعتبار التحديات التى واجهته، والإمكانيات التى توفرت له، والنتائج التى حققها في ضوء ظروف العمل المحيطة به.
وبتجرد وموضوعية أرى أن أداء وزيرة الصحة بصفة عامة كان جيدا، خاصة خلال حملة الـ ١٠٠ مليون صحة، وتقليل قوائم الانتظار، والتى كلفهما به الرئيس عبدالفتاح السيسي.
ولكن أداءها كان من الممكن أن يكون أفضل، في بعض الملفات الأخرى، وبالذات تلك التى تخص التعامل مع الأطباء. كما أن قرار فرص الالتحاق بالزمالة المصرية دون توفير أماكن كافية للتدريب كان قرارا متسرعا ويجب إعادة النظر فيه. وكذلك يجب أن تسعى الوزارة إلى التقارب مع وزارة التعليم العالي، لتوحيد أنظمة الدراسات العليا. وبرغم أن الوزيرة قد تحملت عبء الوزارة بمفردها، فقد كان من الممكن أن تشرك معها جهات أخرى فاعلة في تقديم الخدمات الصحية، وأن تستفيد من الخبراء في الوزارة وهم كُثر، وأن تستعين بباقى الوزارات التى يشملها المجلس الأعلى للصحة، وأن تتقارب مع نقابة الأطباء، وأن تكسب الجميع في صفها، وهذا ما نتمتى أن يحدث في القريب العاجل.