خرج علينا الصحفى المُتلون «عبدالبارى عطوان» في فيديو جديد يوم الجمعة الماضى مدته ١٢ دقيقة للحديث عن الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، وإذا به يُحول الفيديو إلى مدح في المّرشد الأعلى الإيرانى «على خامنئى»، وقال عنه نصًا (ما أعذب اللغة العربية التى وردت على لسانه ولَم يغلط في النُطق ولا النحو ولا الصرف أثناء خطبة الجمعة)، وأثنى على «قاسم سليمانى» قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى، لدرجة أنه وصفه بـ«الشهيد» وقال عنه نصًا (كان يتحرك مِثل «الدبور» أو «النحلة» من «غزة» إلى «لبنان» إلى «سوريا» إلى «العراق» وإلى «اليمن»، لأنه كان المسئول التنفيذى عن المشروع الإيرانى وقبل وفاته كان في بيروت وانتقل إلى دمشق واجتمع مع قادة الفصائل منذ الصباح حتى صلاة المغرب، وبعدها غادر إلى العراق وتم اغتياله بطائرة مُسيرة أمريكية استهدفت موكبه ومن معه ووفاته خسارة كبرى؛ لأنه كان يوزع المهام على الفصائل التابعة لإيران)، وقبل انتهاء الفيديو نظر إلى الورقة التى يقرأ منها وقال متسائلًا (لماذا لا يتعاون العرب مع إيران؟).
ما إن انتهيت من مُشاهدة الفيديو حتى اقتنعت بأن الهدف من الفيديو هو إرسال ثلاث رسائل لمن يُشاهده تتعلق بمُرشد إيران وسليمانى وتجميل وجه إيران والدعوة للتعاون معها، لكنى قلت: ما هذا المنطق المقلوب؟ ما هذا الكلام الهراء؟ ما هذا الكلام الذى يدس السم لنا أجمعين؟ كيف يُمجِد هذا العطوان في إيران ومُرشدها وقائد ميليشياتها ويدعونا للتعاون معها وهى الدولة التى تعلن عن مشروعها التوسعى علانيةً؟ هل لا يرى تدخلاتها في الشئون الداخلية في أكثر من ٥ دول عربية؟ ألم يسأل هذا العطوان نفسه ويقول: لماذا تُدعِّم إيران الحوثيين في اليمن بالسلاح والمال؟ وهل ضُبط هؤلاء الحوثيون وهُم يُعمرون اليمن ويبنونها أم يعملون جاهدين على خدمة المصالح الإيرانية؟ كيف يجرؤ هذا العطوان على القول بأن «سليمانى» كان يجتمع بقادة الفصائل في سوريا والعراق؟ بأى حق يجتمع بهم وما هى توجيهاته لهم غير الخراب والدمار؟ ولماذا يأتى شخص إيرانى إلى العراق وإلى سوريا ويجتمع مع مجموعات تمولها إيران لخدمة أغراضها؟ لماذا يمول حزب الله اللبنانى؟ ولماذا يدعمه بالسلاح؟ وهل من المنطقى أن تقوم إيران بدعم حزب في دولة أخرى وتعترف بذلك؟ وكيف يُسمى ما أكده «حسن نصرالله» الأمين العام لحزب الله من أنهم يسعون لتنفيذ خطط إيران؟
أسئلة كثيرة تراود من يشاهد الفيديو، حيرة شديدة تنتاب كل عاقل يُشاهد هذا العطوان وهو يُطنطن بجُمل رنانة عن إيران، ولم لا وهو (عراب إيران) والمتحدث باسمها، والمُروج لمشروعها، والمُدافع الأول عنها بالضلال وعن ضلال، ينافق «إيران» ويُهلل لتدخلاتها في الدول العربية واختراقها السيادة العربية هو بصراحة «ينرفزك»، يعصبك، يرفع لك ضغطك، من كثرة كذبه، وشدة نفاقه، وقدرته الهائلة على لى الحقائق، هو ظاهرة صوتية ليس أكثر من ذلك، جعجاع، كلماته ومقالاته لا قيمة لها إلا لدى الإيرانيين ومن يؤيدونهم، فيديوهاته على يوتيوب كلها فجة وبلا معلومة وإن وجدت المعلومة، فإنها إما أن تكون بلا مصدر أو تكون في النهاية معلومة فشنك، هو عن جدارة رجل أنظمة مشبوهة، تارة يخرج علينا مُدافعًا باستماتة عن «قطر» حينما كانت تُدعمه وتمول جريدته السابقة المُسماة بـ«القدس العربى»، ولا يذكر أى شىء عن دعمها الإرهاب واحتضانها الإرهابيين التى تمتلىء بهم فنادق الدوحة، وتارة يتصدر المشهد مُدافعًا عن «أردوغان» وقراراته وديكتاتوريته ولَم يجرؤ على قول كلمة واحدة حينما شلح جيشه في الشارع وعندما حُبس الصحفيون أو حتى تدخلاته في شمال سوريا أو تدخلاته في ليبيا، وتارة أخرى يُصدِر لنا النظام الإيرانى على أنه نظام حكم «لا يُعلى عليه» وهو نظام له أطماعه في المنطقة العربية ويتم تنفيذها باستخدام ميليشيات مُسلحة يُشرف عليها الحرس الثورى.
من حق «عبدالبارى عطوان» أن يقول ما يشاء، في أى وقت يشاء، لكن بالعقل، فهو ليس من حقه أن يدعى أنه مُحايد أو أنه يقول الحقيقة أو أنه يُناصر الحق، هو أبعد ما يكون عن ذلك والأدلة كثيرة، ومنها على سبيل المثال قوله إن «قاسم سليمانى» يتحرك مثل «النحلة» في الدول العربية للاجتماع بالفصائل وتوزيع المهام عليهم، هو في هذه النقطة تحديدًا يتجاهل إدراج الحرس الثورى على قوائم الإرهاب الدولى وإدراج فيلق القدس أيضًا وإدراج قاسم سليمانى وكبار قادة الفصائل على القائمة نفسها.
من حق «عبدالبارى عطوان» أن يقود عملية تلميع «إيران» ويُقدمها لنا على أنها تعيش في دور «شجيع السيما» في منطقة الشرق الأوسط، فهو حُر، لكن ليس من حقه أن يدعونا للتعاون معها، وهى التى تُموِل وتُدرب وتُسلِح الميليشيات لتنفيذ أجندتها مثل عصائب أهل الحق والنُجباء والحشد الشعبى أو حزب الله العراقى أو حزب الله اللبنانى أو جماعة الجهاد الإسلامى في قطاع غزة أو الحوثيين في اليمن، إضافة إلى أن علاقتها معروفة ومعلومة مع تنظيم القاعدة وكُلنا نعلم كيف كانت تؤوى كبار قيادات تنظيم القاعدة على أراضيها لسنوات طويلة، وليس من حقها أيضًا أن تُهدد بإغلاق مضيق هرمز، أو تُهدد حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب هل يستطيع هذا العطوان قول الحقيقة كاملة عن «إيران»؟ بالطبع (لا)، إذن لا تُصدقوه.