الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإخوان والعنف بين رسائل البنا وممارسة أتباعه (7)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حركة الإخوان المسلمين لها علاقة بالعنف، فهي تنظيم سري، هذه بديهية يمكن من خلالها فهم درجة علاقة الجماعة بالعنف، فما من تنظيم سري إلا واستخدم العنف، أي تنظيم وضع غطاءً من السرية على أنشطته تستطيع أن تُدرك مباشرة أن ثمة علاقة ما بالعنف حتى ولو أظهر خلاف ذلك.
وقديمًا قالوا إن كل التنظيمات السرية تنظيمات عنيفة، لا يستطيع أحد أن يزحزحك عن هذا المعنى حتى ولو كان على رأس هذه التنظيمات صحابي أو تابعي، وهنا المثال للتقريب، فما كان للصحابة أن يخرجوا عن صحيح الإسلام، فهم كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك التابعين الصالحين الذين صاروا على الهدي النبوي ولا يمكن أن يخرجوا عن حقيقية الإسلام بهذه الممارسة، فحق فيهم لفظة "تابعين"، ولكن المثال كما ذكرت للتقريب ولفهم خطورة التنظيمات السرية.
وفي المقابل يمكن القول إن كل تنظيم مارس العنف هو تنظيم سري بطبيعة الحال، فكل التشكيلات العسكرية هي تشكيلات سرية في الأساس، فكيف لها أن تعمل وأن تناور وهي لا تتخذ السرية ستارًا لأعمالها.
هذه التنظيمات التي مارست العنف ولو بشكل جزئي تُعلي من قيمة السمع والطاعة وتُبالغ في هذه القيمة من أجل الحفاظ على تماسك التنظيم، خاصة إذا كان التنظيم يجمع ما بين الصبغة المدنية والعسكرية، وهنا يبدو الحل لهذه التنظيمات في إرساء هذه القيمة بهذه الصورة من أجل الحفاظ على التنظيم.
على كل الأحوال تنظيم الإخوان المسلمين تنظيم سري، وما كان تنظيمًا علانيا في أي وقت من الأوقات، وربما يكون ذلك سر بقاء التنظيم طيلة هذا الوقت، وهنا يرفض مناقشة قضاياه على العلن ويجد حساسية من اقتراب أعضائه من الإعلام ومناقشة أي موضوعات خاصة بالتنظيم في أي وسيلة إعلامية.
ولعل المؤسس الأول حسن البنا تأثر كثيرًا عند نشأة التنظيم بالتاريخ الإسلامي، خاصة في ظل دولة بني أمية والتي انتشرت فيها الحركات السرية، متأثرًا في ذات الوقت بالفكر الباطني والتنظيمات التي نشأت على الهامش في العهد العباسي والعلوي والشيعي، وما صاحبها من فرق سرية.
ومن أهم هذه الفرق التي تأثر بها حسن البنا فرقة الحشاشين والتي اتسمت بالمبالغة في السمع والطاعة حتى الموت، وبالتالي تنظيم الإخوان المسلمين يبدو نسخة مكررة من تنظيمات أخرى ظهرت في صدر الدولة الإسلامية، ولكن كانت أذكى في التعافي على الدولة مستفيدة بعوامل سقوط الحركات السابقة وبالتالي تلافت هذه العوامل.
لا يمكن الجزم على وجه التحديد إذا كان حسن البنا بالفعل تأثر بهذه الحركات السرية التي نشأت في ظل الدولة الإسلامية أم لا، فقد يكون تأثره كان أقرب للاستفادة من الدعوات السرية التي نشأت في الغرب مثل النازية والفاشية، وجميعها تنظيمات جنحت لاستخدام العنف والمبالغة في استخدامه أيضًا، كما كانت السرية ضربًا مهمًا لها.
من ذكاء المؤسس الأول حسن البنا، أنه أعلن تدشين التنظيم في مارس من العام 1928 كتنظيم دعوي وكان يُعلن كل أنشطته بشكل علني حتى إذا ثبت دعائم التنظيم انتقل إلى مرحلة السرية والتي استغرقت قرابة 10 سنوات وتحديدًا في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، وانتقل دولاب العمل التنظيمي إلى السرية حتى يكون قادرًا على مواصلة وممارسة عمله وبالتالي تنفيذ أهدافه.
من أكثر القضايا التي نجح التنظيم في عدم الاعتراف بها وتسويق ما يناقضها مفهوم السرية واستخدام الإخوان للعنف، وهنا لا مانع للجماعة من أن تنفق ما تريد من أجل الحفاظ على مفهوم أنها تنظيم علني لا يوجد لديها ما تستطيع أن تُخبئه، كما أنها تفعل نفس الشيء حتى تبقى صورتها تنظيما سلميا ليس له علاقة بالعنف، بل يدفع ضريبة صبره بعنف يمارس عليه!
مدى سرية التنظيم ولأي مدى قطع شوطًا في هذه السرية، وعلاقته بالعنف، كلاهما مفتاحان لفهم أي تنظيم ديني، ومن خلالهما تستطيع فهمه ومواجهته في نفس الوقت، فكل التنظيمات الدينية ذات صبغة واحدة سواء الحديثة أو التي جاء ذكرها على مدار التاريخ سواء الإسلامي أو الحديث في الغرب، غير أنه نجحت مواجهة هذه التنظيمات وانتهت وأصبحت جزءا من صفحة التاريخ المطوية، بينما بقي الإخوان المسلمون لعدم إدراك ماهية التنظيم في الموضوع الذي بصدده وبالتالي غابت بوصلة مواجهته.. وللحديث بقية.